تجدهم في لجان التفتيش بنبرتهم اللطيفة وأجسادهم النحيلة، ثم تراهم أعلى المسرح الرئيسي يرتجلون (المنلوجات) ويرددون الشعارات الثورية، وعند الأفطار تشاهدهم يساهمون في تقسيم الإفطار وتوزيع المياه على الثوار بروح عالية وهمة ظاهرة كأنما هم أصحاب المنزل والثوار المعتصمين ضيوفاً عليهم، وفي المساء ينامون على قضبان السكة الحديد وبجانب الخيام أو على التروس المنصوبة حول الاعتصام، يخلقون جواً من المرح والحيوية داخل الميدان، إحساسهم بالأمان هناك يقابله قلق مكتوم من مصير مجهول بعد فض الاعتصام، إنهم أبطال الشوارع هؤلاء الجنود المجهولون داخل أرض الاعتصام، تعالوا نتعرف عليهم عن قرب..؟
صبة أبدية:
منذ السادس من أبريل وحتى الأمس ظل أنور عثمان متمسكاً بموقعه أعلى نفق جامعة الخرطوم رغم حرارة الشمس وارتفاع درجات الحرارة، سألته عن هذه (الصبة) الطويلة قال لي:(جئت مع أول موكب وصل إلى القيادة من منطقة مايو جنوب الخرطوم ولن أعود حتى تتحق مطالب القصاص من قاتل أخي الأكبر الذي قتله الكيزان، قلت له وكيف تأخذ قصاصك وأنت (متعلق) أعلى الكوبري (تطقطق بالحديد) قال لي:(تجمع المهنيين شغال تفاوض مع المجلس العسكري) وقالو لينا بحلو مشاكل السودان كلو، قاطعته: وهل ستأخذ قصاصك لو حلت مشاكل السودان؟ قال لي أيوه (لو الناس عاشو كويس انا عافي حق أخوي)، مضيت وتركته أعلى النفق طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره عاش طفولة قاسية لم ينل حظه من التعليم سوى الخلوة التي هرب منها سريعاً بعدأن أعمل الشيخ سوطه في جسده الصغير حتى أصبح جسده ملئ بالندوب الظاهرة التي تغطي معظم أطرافه، لكنه وجد مكانه مع الثوار أعلى النفق في انتظار المستقبل القادم.
العودة الصعبة:
جاء من جنوب الفاشر طفلاً صغيراً هارباً من أهله باحثاً عن العمل كان ينام في عمارة قيد التشييد قبالة مستشفى الشرطة مع أسرة من جنوب السودان يعتمد على عطايا المحسنين في اكله وشرابه حتى وجد الاعتصام وأصبح أحد الأطفال دائمي الإقامة فيه لتوفر الأكل والشراب والأمان والأصدقاء كما قال وأضاف:(لقيت مدرسة لتعليم الحروف والارقام أنا سعيد وما راجع تاني).
نحن لهم:
لافتة ظاهرة وخيمة كبيرة مكتوب عليها مبادرة أطفال القيادة بداخلها أكثر من ١٤٠ طفلاً بأعمار مختلفة يرسمون ويكتبون ويتم توفير المأكل والمشرب والمأوى كذلك كما أفادنا الأستاذ عبد الرحمن جاد الله عضو منظمة نحن لهم وأضاف: بعض الأطفال فاقدي السند واخرين هربوا من أسرهم احتويناهم وأصبحوا يتجاوبون مع التعليم بصورة كبيرة وهم أطفال موهوبين لديهم فعاليات خاصة يقيمونها داخل الاعتصام كالشعر والتمثيل والغناء والرسم.
الاعتصام مسيخ من دونهم:
تقول أية أحمد وهي إحدى كنداكات الاعتصام إن أطفال القيادة تعودنا عليهم ولا ننكر دورهم الكبير في مساعدة المعتصمين خصوصاً في شهر رمضان لأن أغلبهم دون السن القانونية (بكونو فاطرين عشان كده بشتغلو في تجهيز الوجبات للصائمين)، لذلك لدينا مسؤولية اخلاقية تجاههم، وهناك أشخاص كثر يتبرعون لهم بالملابس والأحذية، إني أخاف على مستقبلهم بعد فض الاعتصام أين سيذهبون؟
نعمان غزالي
صحيفة الجريدة