*سيظل الدكتور لام أكول من القادة الجنوبيين الذين ستحتفظ لهم ذاكرة الشمال بصورة ناصعة ومشرفة جداً، ذلك لعقلانية رجل الشلك المثقف الذي تخرج في كلية هندسة جامعة الخرطوم وكتب في لوحة شرفها كواحد من الخريجين والأساتذة المميزين.
* عند شراكة الحركة الشعبية الحكومية وضع الرجل في بادي الأمر في وزارة الخارجية، لم يفاجئ السودانيين فحسب، بل فاجأ كل النخب الدبلوماسية الإقليمية والعالمية بأدائه المحكم المثقف، وهو يومئذ يمتشق خيل اللغة الإنجليزية بجدارة، وفي المقابل يشهر سيف اللغة العربية بطلاقة..
* ويفترض أن هذا التميز الدبلوماسي الذي أحرزه المهندس لام أكول يشرف الحركة الشعبية لتحرير السودان كواحد من نخبها وفوارسها الذين قدمتهم للوزارة.
* غير أن الأمر كان عكس ذلك تماماً، فقد ضاقت نخب الحركة الشعبية ذرعاً بنجاحات الرجل الذي يفترض ألا يجهد خيله هكذا، وأن يقدم صورة مهزوزة لدولة السودان، على افتراض أن (أولاد قرنق) قد دخلوا لإفشال العملية السياسية والدولة السودانية برمتها من الداخل!
* وتقريباً هذه هي السياسة الذي تولي كبرها السيد فاقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، ولن تسقط له ذاكرتنا أبداً قولته تلك (بان دولة السودان فاشلة)، وكان يومئذ بمثابة رئيس وزراء السودان، وهو يدير حقيبة وزير مجلس الوزراء.
* هو (ذات الفشل) الذي ذهب به الرجل أموم إلى دولة الجنوب المستقلة بل يعتبر أحداً من الذين يتحملون وزر الردة الجنوبية الحالية لكونه قائداً ومنظراً لحزب الحركة الشعبية في جوبا.
*ولازلت أذكر عبارات أثيرة ومرافعات جهيرة للدكتور أكول في مواجهة الجموعة التي اتهمته بالإخلاص للحكومة السودانية المركزية برغم اتهام المؤتمر الوطني بالتماطل في تنفيذ الاتفاقية قال الرجل يومها “إن الاتفاقية لا يمكن تطبق بالمسطرة ، وأنه وزير لخارجية دولة السودان وليس لحزب الحركة الشعبية”.
* فلقد دفع الرجل لام ثمن مواقفه وأبعد من الوزارة وقيادة الحزبن مما اضطره للخروج لتكوين النسخة الديمقراطية للحركة الشعبية التي لايزال ينافح بها في المنابر والمهاجر.
* كثيرون ربما يتساءلون أين رجل الشكل الحكيم مما يجري الآن في دولة جنوب السودان التي تسيل دماء أبنائها في الطرقات وتتناثر جثث قتلاها في الأحراش وعلي قارعة المدن والبلدات.. ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر.
* حتى جاءت الإجابة أمس على لسان الزميل الصديق الصادق الرزيقي رئيس تحرير صحيفة الانتباهة نسخة ما بعد المهندس الطيب مصطفى، قال الرزيقي إنه التقي منذ نحو يومين الدكتور لام أكول بمطار أديس أبابا هو في حركة وقلق ورهق دؤوبة متحركاً ما بين العواصم والقيادات للمساهمة في إرساء قواعد سلام يبدو بعيدة المنال ان لم يكن مستحيلا في هذه المرحلة ولم يبد الرجل تفاؤلاً في تجاوز قريب لهذه الأزمة التي اخترقت اللحمة إلى العضم، فلقد مارس الجميع حرب تكسير العظم أن يقتل المرء إلا لذنب سوى قبيلته وهويته، ألا يعبأ القادة بأن شعباً بأكمله الآن بين القتل والتشريد والجوع والترويع؟.
* إن الذين غيبوا قائد بحكمة الدكتور لام أكول من المشهد الجنوبي ولاحقوه في فترات بالرصاص هم من يتحملون وزر هذه الدماء التي تسيل هؤلاء لم يقدروا بأن شعبهم المغلوب على أمره قد أخذ حظوظه وحصصه كلها من القتل والتشريد وأن الاستقلال يفترض أن يكون نقطة فارقة للذهاب في بناء الدولة وإقامة بنيتها ومؤسساتها لكنهم خرجوا من حرب إلى حرب جديدة ضد الدولة الأم الرؤوم التي هي السودان.
مخرج.. إن العبارة التي رمانا بها السيد الأسير السجين فاقان أموم بان (دولة السودان دولة فاشلة) هي الوصفة التي انتهى بها إلى دولته الوليدة، وفي المقابل إن لام أكول الطليق هو الذي كانت في جيبه الحكمة وفي جينه الرؤية والمنطق، هو الذي يسعى لإطلاق دولة الجنوب كلها من أسر رؤى فاقان أموم .
مخرج أخير.. ومن رؤى لام أكول التي نقلها الأخ الرزيقي (أن قطاع الشمال.. بجبهته الثورية) لا مستقبل لهم، ولقد ضاقت عليهم الحلقات وإن هذه المحادثات بمثابة طوق النجاة.
[/JUSTIFY]ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي