على ذمة المعهد الدولي لبحوث الدراسات الزراعية (1) :السودان يتصدر قائمة الدول التي باعت أو أجرت أراضيها

في أخطر دراسة من نوعها كشف المعهد الدولي لبحوث الدراسات الزراعية و اخرى اعدتها قبل ستة شهور منظمة «غرين» غير الحكومية المتخصصة في القضايا الزراعية ومقرها مدينة برشلونة الأسبانية،ورد ان السودان يتصدر قائمة الدول التي باعت او اجرت اراضيها لجهات اجنبية ووصفت التقارير عمليات البيع بانها كانت بعيدة عن الشفافية .
الصحافة ايمانا منها بخطورة هذه التقارير تعمد في هذه المساحة الي نشر التقارير قبل العودة لتشخيصها مع جهات اختصاص فالى الحلقة الاولى من التقرير.
إشترت حكومات دول غنية وشركات عالمية حتى الآن أكثر من 20 مليون هكتارا أي ما يعادل (47) مليون فدان من الأراضي الزراعية ببلدان العالم الثالث وهي المساحة التي تعادل ربع الأراضي الزراعية في أوروبا. وتصدر السودان قائمة الدول التي باعت أو أجرت أراضيها لجهات أجنبية. وصرح جواكين فون براون مدير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن الدول الغنية التي تفتقر الاراضي الزراعية وموارد المياه ظلت تبحث عن أراضي زراعية توفر لها أمنها الغذائي. ونبه إلي إنعدام الشفافية في مثل هذه الصفقات.
وأفادت دراسة للمعهد الدولي بعنوان «نزع ملكية أراضي الدول النامية علي أيدي المستثمرين الأجانب»، إعدها فون براون وروث ماينزين-ديك، أن الحكومات والشركات الأجنبية قد إقتنت أو في سبيلها لإقتناء ما بين 15 مليون و20 مليون هكتارا( 36-47) مليون فدان من أراضي البلدان النامية حتي الآن.
وعلي الرغم من صعوبة الحصول علي معلومات دقيقة، فيقدر المعهد الدولي أن عمليات شراء هذه الأراضي تمثل إستثمارات يتراوح مجموعها بين 20 مليار و30 مليار دولار ، تأتي أساسا من الصين وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربي، وتستهدف القارة الأفريقية بصورة رئيسية.
وحذر مدير المعهد الدولي أن «نحو ربع هذه الإستثمارات يخصص لزراعة محاصيل لإنتاج محروقات زراعية».
وأفاد المعهد الدولي أن الصين شرعت منذ عشر سنوات في إستئجار أراضي لإنتاج الأغذية في بلدان أخرى ومنها كوبا والمكسيك. كما إشترت أراضي في أفريقيا.
كما أن الصين تتفاوض علي شراء ملايين الهكتارات في جمهورية الكونغو الديموقراطية وتنزانيا وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي، إضافة إلي «تصدير» عشرات الآلاف من الصينيين للعمل في هذه الأراضي ..
أما السودان فتترأس قائمة الدول النامية التي تبيع أو تؤجر أراضيها للأجانب، وبالتحديد لدول الخليج العربي. وفي العام الماضي، توصلت الإمارات العربية المتحدة إلي إتفاقيات مع باكستان، فيما تعتمد قطر علي أراضي زراعية في بورما والفلبين وإندونيسيا.
وبدورها، أبرمت الشركة الكورية الجنوبية العملاقة «دييوو لوجيستكس كوربوريشن» إتفاقيات لإستئجار 1,3 مليون هكتار ا من الأراضي في مدغشقر لزراعة الذرة ونخيل الزيت. وذكر التقرير أن هذا التواجد لعب دورا في الأزمات السياسية التي قادت إلي الإحاطة بحكومة هذه الدولة في العام الجاري.
وعلي الرغم من حجم هذه الأرقام، فقد أكد الباحث ديفين كويك بمنظمة «غرين» غير الحكومية المتخصصة في القضايا الزراعية ومقرها مدينة برشلونة الأسبانية، أكد أن «عدد الإتفاقيات (شراء وإستئجار الأراضي) يتجاوز كثيرا ما يذكره المعهد الدولي لبحوث السياسات الزراعية».
وشرح الباحث أن «أحدا لا يتحري في الصفقات الخاصة». وأشار إلي دراسة أعدتها المنظمة منذ ستة أشهر، أفادت فيها أن الدول الغنية تشتري من الفقراء أراضي خصبة ومياه وطقس مشمس، لتحمل إلى بيوتها أغذية ومحروقات، ما يعادل إستعمار جديد.
وشرح ديفين كويك لوكالة انتر بريس سيرفس أن ما أسماه حمى القرن الواحد والعشرين الزراعية تقودها أساسا تلك الدول غير الراغبة في الوقوع رهينة في أيدي كبرى الشركات العاملة في تجارة الأغذية.
ومع ذلك، ثمة دور متنامي في هذه العمليات تلعبه رؤوس الأموال الخاصة الواردة من صناديق التقاعد، لتراهن على الأراضي كسلعة مربحة خاصة إثر إنهيار البورصات العالمية وإنخفاض أسعار النفط والمعادن.
وعلي سبيل المثال، ذكركويك أن قطاعا كبيرا من صناعة تربية الماشية في أستراليا أصبح الآن ملكا لشركة إستثمارات خاصة. كما يملك مصرف الإستثمار غولدمان ساش إثنان من أكبر منتجي لحوم الخنزير في الصين.
وبهذا يتحول ملاك الأراضي والمزارعون إلي مجرد موظفين وفقا لكويك، الذي شرح أيضا أن الوضع أصبح سيئا للغاية بالنسبة للملايين من صغار المزارعين والرعاة وأهالي الشعوب الأصلية الذين يفتقرون إلى حقوق ملكية الأرض، والذين يقعون ضحية الطرد من أرضهم
استثمار أم استعمار؟
تقرير ثان صدر مؤخرا اشار الى تسارع استحواذ الدول الغنية على اراضي زراعية في دول فقيرة للاستثمار الزراعي ورغم فوائد ذلك في ظل ازمة الغذاء العالمية والحاجة لزيادة انتاج العالم الزراعي، فان حجم الصفقات وتفاصيلها يثير العديد من المخاوف .
التقرير الأخير جاء بعنوان «سطو على الاراضي ام فرصة للتنمية»، واعده باحثون بدعم من المعهد الدولي للبيئة والتنمية ومنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية (ايفاد) ويركز التقرير على افريقيا، ويختار للدراسة خمس دول هي السودان واثيوبيا ومالي وغانا ومدغشقر.
ويكتسب التقرير اهمية في ضوء معارضات محلية لبعض تلك الصفقات وجدل اثير حول اخرى كما حدث في مصر مثلا بشأن مشروع توشكى واستثمارات سعودية وكويتية فيه.
دوافع مختلفة
دفعت ازمة ارتفاع اسعار الغذاء في العامين الاخيرين ودخول الاقتصاد العالمي في ركود باتجاه تحول الاستثمارات من القطاع المالي الى الزراعة وصناعة الغذاء.
ولم تكن الدوافع كلها مستندة الى الحاجة لاستثمارات اكبر في القطاع الزراعي العالمي لضمان امن البشرية الغذائي، بل كانت هناك اهداف ربحية تجارية بالمضاربة في سوق الغذاء ايضا.
يقول مدير تحرير «العالم اليوم» الاقتصادية اليومية سعد هجرس: «الدول الخليجية مثلا لديها قدرة مالية لشراء الغذاء لكنها تخشى من توفره بعدما وجدنا دولا كاوكرانيا والهند تحظر صادرات القمح. اذن معهم اموال لدفع الفاتورة لكنهم قد لا يجدون ما يشترونه».
ومع ان صفقات الاستحواذ على الاراضي من قبل مستثمرين اجانب موجودة منذ عقود، الا ان حجمها ووتيرتها تسارعت في الآونة الاخيرة.
وبعدما كانت صفقة الاراضي الكبيرة في حدود 100 الف هكتار (240 الف فدان)، يصل حجم الصفقات الآن الى اضعاف ذلك. ففي السودان وحده، اشترت كوريا الجنوبية 690 الف هكتار(1,6) مليون فدان والامارات 400 الف هكتار(950) الف فدان.
ويقدر المعهد الدولي لابحاث سياسات الغذاء ان هناك ما بين 15 الى 20 مليون هكتار من اراضي الدول الفقيرة اشترتها دول غنية او تفاوضت لشرائها في 2006، ويشكل ذلك خمس حجم الاراضي الزراعية في كل الاتحاد الاوروبي.
ويقدر المعهد قيمة تلك الصفقات بما بين 20 و30 مليار دولار.
بعض صفقات الاراضي الكبرى مخصص لانتاج المحاصيل الحقلية التي تؤمن الغذاء، لكن اخرى تجارية بحتة لانتاج الازهار مثلا.
فالصين مثلا تقيم اكبر مزرعة لزيت النخيل في الكونغو بعدما حصلت على 2.8 مليون هكتار لاستخدام المحصول في انتاج الوقود الحيوي، وتتفاوض على 2 مليون هكتار في زامبيا ايضا لذات الغرض.
ويعارض زعيم المعارضة الصفقة، وهددت الصين بسحب كافة استثماراتها من زامبيا اذا جاء الى الحكم.
كما تشير بعض التقديرات الى انه بنهاية هذا العام سيكون هناك مليون مزارع صيني يعملون في افريقيا.
ويعني ذلك ازاحة عدد اكبر من صغار المزارعين الافارقة من اعمالهم، وليس ارضهم فحسب.
فوائد ومخاوف
وفي مارس الماضي ادى مشروع صفقة لدايو لوجستيكس الكورية لشراء 1.3 مليون هكتار في مدغشقر (نصف الاراضي القابلة للزراعة في البلاد تقريبا) الى اضطرابات عنيفة قادت في النهاية الى الاطاحة بالرئيس وسيطرة المعارضة على السلطة، والغيت الصفقة بالطبع.
ورغم اعتراف الباحثين بفوائد الاستثمار الزراعي وحاجة الدول الفقيرة التي بها اراضي زراعية الى تمويل الدول الغنية، الا انها عددت المخاوف وتوصيات لتفاديها.
وكما قال جاك ضيوف، مدير فاو: «من الناحية الفعلية، لقد اسفرت المفاوضات عن علاقات دولية غير متكافئة وزراعة قصيرة الأجل ذات روح تجارية. فالهدف يجب أن يكون في تكوين مجتمعات مختلطة يُساهم كل طرف فيها وفق ما تمليه عليه المصالح. فالطرف الأول يتولى التمويل والمهارات الإدارية وضمان الأسواق للمنتجات، أما الطرف الثاني فانه يسهم في ضوء ما يتيسر لديه من أراض ومياه وقوى عاملة».
ويصف ضيوف قمة التخوف بالقول: «فالمخاطر تكمن في خلق حلف إستعماري جديد لتأمين مواد أولية بدون أية قيمة إضافية في البلدان المنتجة ، ناهيك عن خلق ظروف عمل غير مقبولة للعاملين في الزراعة».
ولا يقتصر الامر على الاراضي، بل يخشى ايضا على ثروات طبيعية اخرى لدى الدول الفقيرة.
يقول بيتر باربك ليتماته، رئيس شركة نسله للمنتجات الغذائية، ان صفقات الشراء تلك «ليست حرصا على الارض، بل على المياه. لانه مع الحصول على الارض تحصل على حق المياه المرتبطة بها لريها، وفي معظم البلدان يتوفر حق المياه مجانيا وهذا ما قد يصبح اكثر بنود الصفقة عرضة للخطر».
رؤية متوازنة
الا ان الاعلام غالبا ما يركز على الجوانب السلبية، كما يقول الخبير في فاو بول ماتيو، الذي يشير الى ان تلك ربما كانت مهمة الاعلام.
لكنه يضيف: «من المبكر تقييم التجربة وآثارها لان الصفقات حديثة او ما زالت تتم، وان بدأ بعضها. كما ان من المهم النظر الى التجربة بتوازن، وان نرى ان هناك فوائد حقيقية للتنمية للجميع لو اديرت الامور بشكل جيد وان كانت هناك بعض المخاطر».
من تلك المخاطر برأي ماتيو: «معظم الاراضي في افريقيا مملوكة للدولة قانونا، ونحو 80 في المئة من الناس ليس لديهم عقود ملكية لللاراضي التي يزرعونها. لذا ربما يكون هناك اتجاه لتجاهلهم او عدم مشاورتهم في تعويضهم اذا طلب منهم ترك الارض، لذا هناك حاجة لان تشملهم المشروعات قدر الامكان».
في اثيوبيا، حيث يستثمر عدد من رجال الاعمال السعوديين نحو 100 مليون دولار في اراضي اثيوبية لانتاج القمح والشعير والارز.
في الوقت نفسه ينفق برنامج الغذاء العالمي 116 مليون دولار على شراء 230 الف طن من المعونات الغذائية فيما بين 2007 و2011 لحوالى 4.6 مليون اثيوبي يعانون سوء التغذية والموت جوعا.
وبشأن السودان، الذي يعد اكبر الحاصلين على المعونات الغذائية الدولية وفقا للتقرير ، يعطي الاجنبي حق تصدير 70 في المئة من انتاج الارض التي يشتريها في البلاد الى الخارج.
مع ذلك يرى بول ماتيو ان هناك نماذج يمكن ان تحقق افضل نتيجة من الاستثمارات الاجنبية في القطاع الزراعي للدول الفقيرة.
ويضيف: «اذا كانت الصفقات جيدة والاستثمارات وزيادة الانتاج تتم بطريقة تشمل القسم الاكبر من صغار المزارعين فيمكن ان تفيد جدا. ويمكن زيادة الانتاجية، لكن ذلك يتطلب الا تصدر كل الزيادة في الانتاج وان يبقى جزء منها في البلاد. كما يتطلب دعم بعض المزارع الصغيرة القديمة وان يعوض الاخرون على ترك اراضيهم او يستفيدوا بشكل غير مباشر لان الاستثمار يؤدي الى تطوير للصناعات الغذائية ويوفر عددا اكبر من فرص العمل في القطاع غير الزراعي وان كانت في المناطق الريفية اساسا».
حوافز ومعارضة
والى جانب صفقات تبرمها الصناديق السيادية والمستثمرون المدعومون حكوميا، هناك صفقات بين الحكومات مباشرة مثل الاتفاقات بين الكويت والسودان وقطر والسودان، التي يوقعها وزراء الزراعة او الاقتصاد.
وتقدم الدول الفقيرة محفزات استثمار تتضمن حق المستثمر الاجنبي في تصدير انتاجه، ربما كاملا.
وعرضت باكستان على دول الخليج نصف مليون هكتار من الارض لاستزراعها على ان تتكفل بتوفير 100 الف عنصر امن لحمايتها لهم.
عن تلك الحوافز يقول سعد هجرس: «هذه الحجة قديمة جدا وجديدة في نفس الوقت، قديمة لانها كانت احدى الحجج التي سهلت الاستعمار القديم. وجديدة لان كثيرا من المغامرين وضعوا هذه الفكرة من اجل فتح الابواب دون أي ضوابط لدخول رؤوس الاموال الاجنبية والسيطرة على مقدرات البلاد الاقتصادية. وثبت من الازمة العالمية وغيرها ان تشجيع الاستثمار الاجنبي يحتاج الى شفافية وليس العكس».
لذا تلقى بعض تلك الصفقات معارضة داخلية قوية كما حدث في مدعشقر.
وجعلت المعارضة الداخلية مجموعة بن لادن السعودية تعلق مشروعا لانتاج الارز في اراضي اندونيسية مساحتها نصف مليون هكتار بكلفة 4.3 مليار دولار، كما اجلت الصين صفقة لشراء 1.2 مليون هكتار في الفلبين.
بله علي عمر :الصحافة

Exit mobile version