انصرف كل من المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير إلى تراشق الاتهامات فيما بينهما، إثر خلافات بشأن تشكيل المجلس السيادي، عن القضية الوطنية الأساسية، وهي بناء سودان جديد خال من تراكمات النظام السابق، واسقاطاته على المجتمع، والتي على أساسها قامت الثورة، فالمجلس العسكري يرى أن التجمع وقوى التغيير غير صادقين فيما يتهم التجمع المجلس بأنه غير جاد في تسليم السلطة للمدنيين، ما جعل الضبابية تحجب الرؤية عن حل قريب، أو بصيص أمل في الخروج من عنق الزجاجة، خاصة وأن الأوضاع تشئ بوصول المفاوضات إلى طريق مسدود أو مفترق طرق في أحسن الأحوال.
*عدم جدية:
محمد ناجي الأصم المتحدث باسم تجمع المهنيين، انتقد مطلب المجلس العسكري بفتح بعض الطرق والجسور بالقرب من منطقة الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، وقال (من غير المنطقي أن تتحدث أنك لا تريد فض الاعتصام، وتريد إزالة المتاريس وفتح الطرقات).. وزاد (ما نستشعره من كل تصرفات المجلس العسكري حتى اللحظة أنه غير جاد في تسليم السلطة للمدنيين)، وأضاف- في مؤتمر صحفي أن (الزمن قد تطاول، ومع تطاول الزمن صلاحيات المجلس العسكري تتمدد، وهذه خطورة كبيرة جداً على الثورة السودانية، وقال لن نعقد جلسة مفاوضات اليوم، لكننا خلال ساعات سنقدم رؤيتنا للمستويات الثلاثة من السلطة ونتوقع الرد عليها سريعاً).
*حسم الفوضى:
وبعد أن قام محتجون بإغلاق بعض الطرق، ومن بينها شارع النيل المحاذي للقصر الجمهوري، وشرع المعتصمون أمام مقر القوات المسلحة في العاصمة بتوسيع حواجزهم في عدة شوارع على مداخل الاعتصام، قطع على أثر ذلك نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي بأن لا فوضى بعد اليوم، وجدد التزامهم بالتفاوض مع قوى الحرية والتغيير، وقال (القطار يجب أن يسير، والجسور والطرق يجب أن تفتح أمام الناس)، لكنه تعهد في الوقت نفسه بعدم التعرض للاعتصام، وقال (نحن كمجلس عسكري ملتزمون بالتفاوض، ونريد أن نصل لاتفاق مرضٍ للشعب السوداني).، ومن هنا يصعب التنبؤ بما يحمله كل طرف في طياته، سيما أن الأمور زادت تعقيداً.
* أسقف عالية:
وهنا يصف المحلل السياسي الزين العوض، المشهد السياسي الحالي بأنه شبيه بحال المجتمع السوداني، الذي تلجأ فيه أطراف الأزمة في العادة إلى ما أسماه بـ(تعلية سقوف)، ولفت إلى أن مواقف الطرفين ليست إقصاء أو عدم ثقة بالآخر، وإنما هي نتاج إخراج الهواء الساخن الذي لم ينته بعد، ولكنه يرى في الوقت نفسه أن الخلاف بين المجلس العسكرى و قوى التغيير غير موضوعي، لأنه حول عددية وتكوين أشخاص المجلس السيادي وليس على صلاحياته، التي يرى أنه يجب أن تنحصر في أمور السيادة ولا تتعدى إلى السلطات، كما يحدث الآن، ويقول العوض بشكل أكثر تفسيراً أن تدخل المجلس العسكري في قضايا العلاقات الخارجية والسلطة التنفيذية بدأ وكأنه يقوم بعمل مجلس الوزراء، فضلاً عن تعطيل السلطات التشريعية والدستورية، ما جعل الأوضاع تبدو وكأن البلاد يحكمها قانون الطوارئ، وقال إن المجلس الآن يحكم بالبندقية .
العوض توقع أن يقدم كلا الطرفين بعض التنازلات، وقال: البلاد تحتاج إلى توافق ووقفة إيجابية. داعياً فقهاء القانون والمجتمع لاخراج البلاد من الأزمة، وتوقع في ذات الوقت أن تأتي الحكمة والنصح من غير المشاركين مثل خبراء السياسة، لأن الطرفين ربما سيكونان أكثر حدة .
*حل ديموقراطي:
وبالمقابل رجح المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريص أن لا تؤثر الاتهامات المتبادلة على سير التفاوض، وأكد أنها لا تعد عن كونها حالة شد وجذب، نتاج محاولة كل من الطرفين لتحسين مكانته في التفاوض، في وقت تخوف فيه من أن تؤدي هذه الاتهامات إلى انعدام الثقة بين الطرفين، ما يفتح الباب للتدخلات الخارجية، ونصح أبو خريص بتجاوز الخلافات غير الإيجابية لتوفير بيئة مواتية لحل الأزمة السياسية، وقال: إن البيئة الاقليمية المتمثلة في (دول الخليج، الاتحاد الأفريقي) لا ترحب بأي حل ديمقراطي أو إسلامي، لأن وجود نظام ديمقراطي سينشئ تحولاً سياسياً للشعوب العربية ضد توجهات تلك الدول، واستشهد بدعم السيسي في مصر، وحفتر في ليبيا ضد الحكومات المدنية، كما أن الإدارة الأمريكية تتجه مع إسرائيل للسيطرة على فلسطين تحت مسمى صفقة القرن، ونبه الرجل إلى أخذ أطراف التفاوض ذلك في الحسبان.
تقرير : اسماء سليمان
الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)