(4) سنوات للانتقالية .. هل هي قادرة على تفكيك الدولة العميقة؟؟

سلّمت قوى إعلان الحرية والتغيير رؤيتها لإعلان دستوري للفترة الانتقالية المقبلة، والتي حدّدتها بـ(4) سنوات لا تزيد، إلى المجلس العسكري الانتقالي الخميس الماضي، على وقع مسيرة هادرة جاءت لدعم مليونية السلطة المدنية بمقر الاعتصام بالقيادة العامة للقوات المسلحة، فيما أشارت قوى الحرية والتغيير إلى أن إعلان الدستور الانتقالي حدّد أغراضه لفترة انتقالية لا تقل عن الأربع سنوات، ولا تزيد عنها، متطرقاً خلال الإعلان إلى مختلف الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والتشريعية، للسلطات الثلاث التي تناولها الإعلان بعمق. في وقت سلّمت فيه قيادة قوى الحرية والتغيير نسخة من الدستور للمجلس الانتقالي الذي رحب بالفكرة ووعد بأنه سيرد عليه في أقرب وقت ممكن، بعد الاطلاع عليه.

هذا، وقد جدّد تحالف الحرية والتغيير موقفه الرافض للانتقاص من الفترة الزمنية الانتقالية، وأكد مراراً وتكراراً بأن الفترة الانتقالية يجب ألا تقل عن الأربعة أعوام، بغرض تفكيك دولة المؤتمر الوطني العميقة.

وقد تمضي مراحل وخطوات التفكيك التي من شأنها إدارة أمر البلاد من خلال سلطة مدنية تحميه دستورياً من خطر الفرملة المتخوّف منها من قبل العسكريين، لجهة قطع الطريق أمام تفكيك النظام السابق، فيما فصل المجلس البيان على الفترة الانتقالية التي حددها بأربع سنوات، وذلك في الباب الثالث الفصل الأول، فقرة هياكل الحكم، المادة (7)، والتي تقول إن الدولة تحكم خلال الفترة الانتقالية البالغ قدرها أربع سنوات من خلال هذا الدستور عبر مؤسسات حكم قائمة على سيادة حكم القانون….إلخ. وقد فتح هذا الباب واسعاً أمام التساؤلات حول هذه الفترة، وإمكانية إنجاز متطلبات الثورة خلالها، بجانب هل أن فترة الـ(4) سنوات كافية لتفكيك الدولة العميقة التي بناها الحزب الحاكم السابق، وما هو استعداد هذه القوى للتعامل مع الإسلاميين خلال الفترة القادمة، وهل سيتم إقصاؤهم من المشاركة السياسية في الحكومة القادمة، أم إن التفكيك لا يعني حرمانهم من المشاركة لاحقاً؟.

مبادرات سابقة

وكان المجلس العسكري الانتقالي قد حدّد في بيانه الأول الفترة الانتقالية بعامين، الشيء الذي دفع تحالف الحرية والتغيير إلى تعديل الفترة الانتقالية من سنتين إلى فترة انتقالية مدتها أربع سنوات، بحسب ما جاء في بيان المجلس العسكري، الذي أشار فيه إلى نقاط الخلاف بينهم وقوى الحرية والتغيير، بينما أصرت القوى السياسية المنضوية تحت لافتة قوى الحرية والتغيير على فترة الأربع سنوات، وقالت إنها مناسبة وكافية لتفكيك الدولة العميقة التي بناها الإسلاميون..

الحديث عن الفترة الانتقالية، يقودنا إلى مبادرات سابقة دفعت بها القوى السياسية للحكومة السابقة بجانب أخرى آنية دفعت للمجلس العسكري من قبل قوى سياسية وبيوت خبرة سودانية، تطالب فيها بفترة زمنية انتقالية لا تقل عن العامين.

ويقول المجلس، إن فترة العامين كافية للقوى السياسية لبناء نفسها وتدعيم أحزابها بعد أن عاشت ضعفاً في الفترة السابقة، أفقدها الكثير من قواعدها وأنصارها. ولكن قوى التغيير ترى غير ذلك، وأنها غير كافية لجهة أن الفترة السابقة شهدت بناء دولة عميقة للإسلاميين، وهو التحدي الذي تواجهه الثورة وحكومة الفترة الانتقالية القادمة.

“بعبع” العميقة

ويقول نائب رئيس حزب الأمة القومي، الفريق صديق إسماعيل لـ(الصيحة)، إن الفترة الانتقالية، والتي حُددت بعامين من قبل المجلس العسكري الانتقالي كافية جداً لوضع الأمور في نصابها، وعودة الأمر للأمة السودانية التي غُيّبت عن مناقشة مستقبلها وتداوله لفترة ثلاثين عاماً. وقال صديق إن حزب الأمة القومي، دائماً يعمل بطريقة جادة لعودة الأمور لنصابها، كما أنه ينحاز للشعب ليختار الطريقة التي بها يحدد مستقبله. واستدرك قائلاً: وفقاً لرأيي الشخصي، فإن ما يطلبه تحالف الحرية والتغيير وتحديده لحكومة انتقالية مدتها (4) سنوات، مُبالَغ فيه، لجهة أن الأربعة أعوام كثيرة جداً لتفكيك مؤسسات دولة بائدة.

وأكد إسماعيل مشدداً على أن أربع سنوات أكثر عن الحد المطلوب للقضاء على الدولة العميقة التي يريدون تفكيكها، وأشار بذلك إلى قوله: إن النظام البائد كان يُهدد الناس بأن الوضع إذا ما ذهب حكم الإنقاذ سيصل لأوضاع الدول المنهارة في كل من سوريا واليمن وليبيا، والآن الذين يقولون بأن السنتين غير كافيتين للحكومة الانتقالية إنما يريدون تخويف الشعب السوداني بحقائق غير واقعية، وقال إن الذين يتحدثون عن الدولة العميقة إنما يتحدثون عن “بعبع” لتخويف الناس.

رزنامة ثقيلة

ويرى الإعلام والإكاديمي، د. أبوبكر آدم خبير، أن عملية التغيير لأي نظام سابق، إنما تتطلب فترة زمنية حقيقية أكثر من التي حددها المجلس العسكري، ولكن بالنسبة للحالة السودانية، فإن الجميع يتعامل مع الأمر بمرارة السنوات الماضية، التي كان فيها الإسلاميون حاكمين، حيث أن الأحزاب عاشت فترة عصيبة من العزلة والحرمان، وحتى من حرية ممارسة العمل السياسي، لذلك كله، فإن الفترة التي اقترحتها قوى التغيير يمكن أن تلبي طموح القوى السياسية بالتحكم في محاربة الدولة العميقة التي تكونت سابقاً.

وزاد بأن الإسلاميين حقيقة استطاعوا أن يبنوا دولة عميقة، تمكنت من مفاصل الدولة خلال ثلاثين عاماً. وأشار في حديثه لـ”الصيحة” إلى أن أمر تفكيك دولة استطاعت أن تمكث قرابة الثلاثين عاماً ليس بالأمر السهل، وإنما الأمر يتطلب أن يعيش الكل سلاماً مع النفس وإغلاق صفحة يمكن نقول إنها قد انطوت بكل ما تحمل من شر أو خير، وأن يتجه الناس لبناء السودان الكبير، سودان يسع جميع بنيه لا مجال فيه للإقصاء ولا مجال فيه للعزل أو العسف.

وطرح أبوبكر رزنامة، قال إنها يمكن أن تساعد في حل القضايا المتشابكة، وهي أن يدير المجلس السيادي العسكري مائدة حوار داخلي مع القوى السياسية بمختلف مشاربها الفكرية ووضعها على الساحة حاملين للسلاح ومعارضين سلميين، لبناء السودان بطريقة يُجمَع عليها ويجد كل إنسان نفسه.

وقال إن البلاد تمر بظروف حرجة يمكن أن تؤدي فيها مثل هذه المواقف إلى حدوث المزيد من العقبات، وأن تقف حجر عثرة في طريق الاستقرار والأمن.

جدلية التفكيك

بينما يرى المحلل السياسي والأكاديمي بالجامعات السودانية، د. السر محمد علي، الظرف الحالي والذي نجمت عنه المطالبة بحكومة انتقالية مبنية على مدة لم يتم الاتفاق حولها، بين المجلس العسكري الذي حدّد لها سنتين، بينما ترى قوى سياسية أخرى أن فترة العامين غير كافية لتفكيك الدولة العميقة، وطالبوا بأربع سنوات للفترة الانتقالية، وقال إن الفترة الانتقالية طالت أم قصُرت لا تدوم، ولا يمكن أن يتم فيها إقصاء سياسي لقوى سياسية بعينها، والبلاد تؤسس لنظام ديمقراطي جديد. موضحاً أن عملية الإقصاء السياسي، هي التي عصفت بالحكومة السابقة، واعتمادها آلية للحكم في المرحلة القادمة ووسيلة لذلك، مشيراً إلى أن الإقصاء غير مُحبّب وسيزيد الطين بلة.

وطالب السر، قوى التغيير بالعمل على تغيير المفاهيم السائدة وسط الساحة السياسية، والتي تؤكد أن القوى الصاعدة “قوى الحرية والتغيير” يعملون بصورة شخصية لتصفية الحسابات مع جماعات الإسلاميين والقوى الحزبية التي شاركت في الحكومات السابقة.

مشيراً أن معظم الشعب السوداني شارك في الثورة التي استطاعت أن تقتلع حكم الإنقاذ، وزاد أن المرحلة للبناء وليس للتفكيك، ولا تحتاج الحكومات السابقة لمثل هذه الفترة لأجل إزاحة بعض العناصر التي شاركت في الحكومات السابقة للإنقاذ، ولكن يجب أن يطوي الجميع الصفحة، ويتم فتح صفحة جديدة، لبناء سودان جديد، مبني على المساواة، وعلى الوحدة، وعلى تقاسُم الأدوار والواجبات، ولا يكون فيه إقصاء لأحد.

وجدّد السر دعمه لإعادة بناء قواعد العدالة، ولكنه قال: يجب أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن، لأجل إحداث خروقات جوهرية في جدار الأزمة السودانية وطي ملف الخلافات للأبد.

تفاؤل كبير

بينما طالب بروفيسور محمد أبوصالح، إلى البدء بمعالجة أزمة الحكم التي استمرت طيلة فترات الحكم التي أعقبت الاستقلال، ولم يتم فيها إنتاج الفكرة الوطنية حتى في عهد الإنقاذ نفسها، إلى أن جاءت ثورة 19 ديسمبر، والتي عجلت بذهاب حكومة الإنقاذ، وقال إن مسيرة الانقلابات العسكرية التي دائماً تقوم بإقصاء الحكومات مدنية أو عسكرية، كسرها لا يتم إلا من خلال أننا يجب ألا نتعجل بل نتمهل في فترة انتقالية متفق عليها، ننتج فيها الرؤية الوطنية وخطة الدولة السودانية، لإدارة المرحلة، وهي المهمة الأولى للحكومة المدنية القادمة، وإلا سوف تأتي الانتخابات، وتُكرّر ذات الأزمة السودانية مجدداً، لتستمر تلك الأزمة مجدداً.

وقال صالح: أملنا يبقى في حكومة تكنوقراط أكفاء وطنيين عندهم أخلاق، ونحتاج لاستدعاء سلطة ظلت غائبة 63 سنة، وهي السلطة العلمية السودانية. ولذلك أقول إن خطوات النجاح تتمثل في تجربة إنسانية ناجحة بعيداً عن المدى الزمني. وطالب بضرورة تشكيل رؤية وطنية تعبر عن الوجدان السوداني، وبذلك يتم بتشكيل مستقبل يقبله كل الناس بقلوبهم، وهذه بداية تشكيل الإرادة الوطنية المفقودة، بالإضافة لقيادة قدوة، تنال الارتباط الوطني وتعبر عن وجدان الشباب، وهذا هو الحل.

أمر مبالغ فيه

وأكد نائب رئيس حزب الإصلاح الآن حسن رزق، لـ(الصيحة)، أن ما يُطالب به تحالف قوى التغيير والحرية أمر مبالغ فيه، إذ أنه يمثل دورة حكم كاملة بدون تفويض من الشعب، وليست فترة انتقالية، وقال: لا يمكن أن تكون فترة انتقالية مدتها أربع سنوات.

وأكد رزق أن تحالف الحرية والتغيير إنما يخططون لاختطاف الثورة من الشباب، ويريدون تبعاً لذلك الانتقام من كل ما هو عدو لهم، وتهيئة الجو لأنفسهم من كل النواحي عبر تفكيك الخدمة المدنية والمؤسسة العسكرية وبالتالي كل من هو معارض لهم بالظن هو “طابور” في فهمهم، ودمغ رزق هذا بقوله: “هذه فوضى شديدة”.

تفويض الشعب

وأشار نائب رئيس الإصلاح الآن، إلى مساعي تمرير الدستور الانتقالي بهذه الطريقة الفجة حسب وصفه، لدستور كُتب من قبل مجموعة واحدة دون تفويض من الشعب. مشيراً إلى أن هذه المساعي تؤكد رغبتهم الأكيدة في الانفراد بالسلطة والتشبث بها، في الوقت الذي يتهمون فيه القوات المسلحة بذلك، مؤكداً بقوله: “يريدون التشبث بالسلطة واختطاف ثورة الشباب الذين لا ينتمون لواجهات سياسية، رغم أن المتحدثين من قوى الحرية والتغيير من أسر إسلامية متداخلة”.

وقال رزق: ما هو سياسي، يجب أن يُترك للشعب ليحكم فيه عبر الانتخابات المباشرة، وهم لا يستطيعون حمل الشعب على ذلك دون إرادة حقيقية منه.

التشبث بالسلطة

وحول عملية تفكيك الدولة العميقة ومقاضاة المفسدين، يقول رزقك إذا كانت هناك تهم لجرم جنائي، تجاه أشخاص وقيادات في الدولة السابقة يجب أن يُحاكَموا بواسطة القضاء، مشيراً إلى أن الثورة رفعت شعار “العدل وهو لك ولغيرك” ويتأتى عبر انتخابات عامة، يجب ألا تتعدى فترتها الزمنية العامين.

وعاب حسن رزق على تحالف الحرية والتغيير انفرادهم بوضع الدستور والقانون لفترة انتقالية، وقال إنهم بذلك خالفوا كل القواعد في العالم، إذ لا يمكن أن تنفرد به جهة واحدة دون العامة. وقال رزق، إن ما يمارسه قياديو الحرية والتغيير ضد العسكر، قد يقود لما لا يحمد عقباه. معرباً عن تخوفه من أن يقود ذلك لانقلاب عسكري جديد، وتعود البلاد لدوامة جديدة من الانقلابات العسكرية غير المرغوب فيها عقب ذهاب حكم البشير.

تقرير : عبد الله عبد الرحيم
الخرطوم (صحيفة الصيحة)

Exit mobile version