وثيقة هياكل الحكم التي قدمتها قوى الحرية والتغيير للمجلس العسكري ، تمثل فكرة وروح الصراع بين مؤسسات الحكم الانتقالي ، حتى قبل أن تتشكل وتتنزل للناس واقعاً .
الهدف الأساسي الذي تركز عليه الوثيقة هو تحقيق الاستحواذ الكامل لقوى الحرية والتغيير على كافة مستويات الحكم ، بحيث يمكنها (تصفية) دولة الإسلاميين ، وإزالة كافة آثارها أينما كانت .
لا أريد أن استرسل في مناقشة نقاط الارتباك القانونية والسياسية في الوثيقة ، فهي حافلة بالتناقضات والفراغات ، فمثلاً تتحدث الوثيقة عن تعيين رئيس الوزراء بواسطة مجلس السيادة ، ثم في المادة (11) خالفت ما سبق ، فقالت إنه في حالة خلو مقعد رئيس الوزراء تقوم قوى الحرية والتغيير بتعيين رئيس وزراء ، دون إشارة إلى مجلس السيادة !!
ثم في حالة حل الحكومة ، يُعين البرلمان رئيس الوزراء ، دون تحديد سلطة حل الحكومة ، هل هي من صلاحيات مجلس السيادة أم البرلمان ؟!
غير أن الأهم من تتبع ثغرات الوثيقة ، هو نقد فكرة الاحتكار والتملك التي تسيطر على قوى الحرية ، وهي دليل دامغ على مفارقتها لمبادئ وأسس الديمقراطيات في العالم .
غريب أن تحمل هذه القوى اسم الحرية ، وهي تخالفها قولاً وفعلاً ووثائق !
أزمة المرحلة المقبلة ليست في الوثيقة ، ولكن في تعملق جرثومة الخلاف بين المجلس العسكري أو العسكريين في مجلس السيادة والحكومة الانتقالية ، إذ يبدو واضحاً أن طرفي التغيير( المجلس وقوى إعلان الحرية) مختلفان في كل شيء ، من السياسة الداخلية وكيفية التعامل مع إرث النظام السابق ، إلى السياسة الخارجية .
ستكون الحكومة عبارة عن جزر معزولة عن بعضها البعض ، فوزير الخارجية المقبل سينفذ برنامج قوى الحرية ، بينما للعسكريين رؤيتهم في ما يتعلق بالسياسة الخارجية ، فهم أقرب لمحور (السعودية – الإمارات) ، وهم قادة القوات السودانية التي تقاتل في اليمن ، وهو الوضع الذي ترفضه قوى الحكومة المنتظرة ، أياً كان وزير الخارجية !
سيشبه هذا المشهد ، ما يحدث في الحكومات اللبنانية ، وهي دولة ديمقراطية كاملة الدسم ، ولكنها غالباً بدون حزب أكثرية يمكنه تشكيل الحكومة منفرداً أو مؤتلفاً مع حزب واحد ، فقد تجد وزير الخارجية في حكومة ما أقرب لحزب الله حليف إيران ، بينما يكون رئيس الحكومة – دائماً – أقرب إلى السعودية ، فيما تختلف مواقف رئيس الجمهورية وهو غالباً من الطائفة المارونية المسيحية .
هذه التقاطعات ستضر كثيراً بالاستقرار السياسي في بلادنا وتعطل عجلة النماء والتطور .. فهل تنتبه قوى التغيير لهذه الشراك المنصوبة في طريق المستقبل ، أم أنها فقط تركز على هدف واحد ، هو إبعاد الآخرين من مجالس الحكم الجديد ؟!
الهندي عزالدين
المجهر