كل خيمة داخل ساحات الاعتصام حول القيادة العامة تحمل داخلها قصة وعشرات اللافتات ومئات الآلاف من وجوه المواطنين من كل الولايات فأينما حل بصرك تجدهم حولك من مدن السودان البعيدة وأحياء الخرطوم القريبة وكأن السودان تم اختزاله في تلك الكيلومترات التي اتسعت حبا وكرامة لتضم إليها كل ربوع الوطن.
أولاد العباسية: صنعنا (متراسا) من أجسادنا وجاهزون للحاق بالشهيد عبد العظيم
لافتتهم التي تحمل اسم الحي لا تخطئها العين في مدخل القيادة من ناحية شارع المطار حيث أقاموا واحدا من أهم المتاريس وتناوبوا على حراسته وأعدوا في مبنى مجاور استراحة للنساء ومصلى ومطبخا مكتملا لإعداد الوجبات اليومية للمعتصمين بتبرع من أهل الحي الخيرين ونادي الربيع، وقد سجل هؤلاء الشباب موقفا لن ينساه تاريخ الاعتصام عندما صنعوا جسرا من أجسادهم لمنع السلطات من إزالة المتراس الذي كانوا مسؤولين عن تأمينه بعد تصريح الناطق العسكري للمجلس الانتقالي في مقطع متداول عبر الميديا. وذكر لـ(الجريدة) أحد الشباب المسؤولين عن التأمين أنه لم يعد إلى منزله منذ بدء الاعتصام في ٦ أبريل ولن يعود إلا بعد قيام السلطة المدنية وتحقيق المطالب، وأكد أن التجمع هو الأب الروحي للشباب المعتصمين وأيا كان قراره يوافقون عليه، وقلل من توقعات المجلس والنظام السابق بأن يتم فض الاعتصام بدخول رمضان، وقال: (حيكون رمضان في الميدان)، وأكد عزيمة الشباب وأنهم يرون أن المجلس يماطل في تسليم السلطة للمدنيين بالأغلبية وأن التجمع يجب أن يحقق اتفاقا يلبي مطالب الثورة وقال (نحن موجودين في الشارع من ديسمبر وفقدنا شهداء، ولن نعود قبل تحقيق مطالب التجمع التي هي مطالبنا، وفتح الجامعات لن يؤثر في عدد المعتصمين، لأن معظمنا خريجون وعاطلون عن العمل، والطلاب يمشوا الجامعة الصباح ويجوا القيادة).
الكنداكة آمنة الماحي: التجمع يمثلني إلا إذا !!
تحمل علم السودان وترسم ذات العلم على يدها بالألوان، وجدناها تشارك في الهتاف بجانب موكب للصيادلة، فسألناها عن رأيها في تعسر الوصول إلى اتفاق بين المجلس العسكري من ناحية وتجمع المهنيين وقوى التغيير من ناحية أخرى، فقالت: (شاركت في التظاهرات في بحري والعربي وشمبات وأكثر المواقف التي لن أنساها موكب العربي وكان فيه ضرب نار وبمبان وحالة من الرعب والذعر لا توصف وتم اعتقال عدد كبير من البنات والأولاد أمام عيني ورميهم وضربهم داخل التاتشرات في كل أنحاء الجسم، وقناعتي أنه لن يكون هناك تغيير إذا لم نضمن عدم عودة تلك الممارسات من أجهزة الأمن، ولهذا أداوم حاليا على الحضور يوميا للقيادة منذ ٦ أبريل برفقة أخي، وما عندي مانع أواصل الاعتصام حتى تتحقق المطالب وينصلح الوضع السياسي والاقتصادي للبلد، ولا يهمني من يحكم، ولكن كيف يحكم).
وحول قرار الاستمرار في الاعتصام وإزالة المتاريس أجابت آمنة: (لا أحد داخل ساحات الاعتصام يمكن أن يقبل أو يوافق على فك المتاريس لأنه لا توجد ضمانات ولا نشعر بأي تغيير في الوضع ولم تتم أية محاسبات، بل على العكس الوضع غير مطمئن لنا والتجمع يمثلني أيا كانت قراراته لأني أحتاج لمن يتحدث باسمي إلا إذا خالفوا مطالبنا فلو اتفق مع المجلس العسكري على فك المتاريس دون إخطارنا ودون تحقيق المطالب التي خرجنا من أجلها وتعرضنا للعنف والمخاطر لن نقبل ولا نريد حكما عسكريا مرة أخرى وأنا مع الجيش ودوره هو حماية الثورة لا أن يحكمنا وعدم الاتفاق للآن نحمل مسؤوليته للمجلس العسكري لأنه وعد عند استلامه السلطة بتسليمها لقوى الثورة التي تمثل الشعب، وهو ما لم يحدث حتى الآن).
محمد تاج السر ممثل ثوار البحر الأحمر… ترقب وانتظار
ممثل مدينة الثغر التي بدأت حراكها مبكرا بالإضراب والاعتصام داخل ساحات ميناء بورتسودان تحدث لـ(الجريدة) عن استعدادهم لمواصلة الاعتصام إلى اللحظة التي يعلن فيها التجمع تحقيق مطالبهم في سلطة مدنية تحقق أرضية نزيهة لانتخابات قادمة قائلا: (أزعجنا فقط بيان المجلس العسكري ليلة الثلاثاء عن فتح طريق داخل ساحة الاعتصام خاصة أن إعلان بيان التجمع جاء بعدها بعدة ساعات فالوقت بين بيان المجلس وبيان التجمع كنا في حالة توتر عالٍ وترقب وانتظار ورفعنا درجة التأمين حول المتاريس، لكن جاءنا بيان التجمع بردا وسلاما وإصرارا على رفض كل أنواع المماطلة والاستهزاء بتضحيات شعبنا الصابر، وصامدون حتى نسمع بيان التجمع بالاتفاق مع المجلس العسكري على كل النقاط وفتح صفحة جديدة من تاريخ السودان).
ثوار الجزيرة (أبا): قدمنا طفلين ولن نعود دون القصاص لهم
شباب الجزيرة (أبا) وضعوا بوسترات ضخمة لصور أول شهيدين من الأطفال لثورة ١٩ ديسمبر مطالبين بالقصاص لهم وهما (شوقي _محمد اسماعيل) وأكبرهم لم يتجاوز ١٣ عاما وشاءت الأقدار أن يكشف أحد الطفلين (شوقي) عن قاتله قبل أن يسلم الروح وقد تحدث لـ(الجريدة) ممثل الثوار محمد جوهر الدومة عن رأيهم في عدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن بين المجلس والتجمع، فقال: (المجلس سبق وأن قال إنه جاد في تسليم السلطة للمدنيين والجهة التي تمثلنا هي التجمع، وما يحدث الآن برأيي هو مماطلة وتسويف من المجلس وتأخير نفهم منه أنه (طمعان) في السلطة، ولا نلوم تجمع المهنيين لأن المطالب التي تقدم بها هي مطالبنا، ولو طلب التجمع فض الاعتصام سننفذ فورا، ولن ونستمر في الاعتصام لو تخلى عن هذه المطالب أو تنازل عنها، واعتصامنا هو الضامن الوحيد لتحقيق الأهداف التي نناضل لأجلها ونتفهم الضغوط التي تواجه تجمع المهنيين داخليا وخارجيا، لكن ثقتنا به لن تهتز وهو الممثل الوحيد للشارع الآن مقابل سلطة المجلس العسكري و(باصمين بالعشرة) على أي قرار يتخذه والمجلس (ما بخوفنا بقراراته)، فالمتاريس في ساحة القيادة ثابتة ومتينة ومبنية بدماء الشهداء وعرق المناضلين من أبناء الشعب، ولم نصنعها من الحجارة والطوب فقط ولن نزيلها إلا بالحصول على سلطة مدنية تتولى التحضير لديمقراطية نزيهة حتى لا نعود إلى مربع عام ٨٩ مرة أخرى).
نادية محمد علي
صحيفة الجريدة