*نفترض في المجلس العسكري وممثلي قوى إعلان الحرية والتغيير أنهم يدركون قيمة الوقت، ويعُون أنهم دخلوا في سباق مع الزمن وضد الساعة، للحفاظ على أمن الوطن واستقراره، وتعزيز المكاسب التي حققتها ثورة ديسمبر المباركة.
*يترقب السودان كله محصلة جولات التفاوض الماراثونية التي تجري بين الطرفين، وتنعقد لتنفضَّ كل مرةٍ من دون أن تخلُص إلى اتفاقٍ حاسمٍ حول طريقة تكوين مجلس السيادة، وترتيبات المرحلة الانتقالية وضوابط مكوناتها وصلاحياتها، لتشيع المزيد من السيولة للوضع السياسي والأمني المتأزم، في بلدٍ ابتلاه المولى عز وجل بالحروب والفقر والفساد وجُور الحُكَّام.
*التحدي الأكبر الذي يواجه المجلس العسكري يتمثل في إثبات حرصه على الوفاء بالوعود التي بذلها للناس، عقب توليه زمام السلطة، وعلى رأسها تأكيد أنه غير متشبث بالحُكم، وغير راغب في الانفراد به.
*أول خطوة في ذلك الطريق الشائك تتمثل المسارعة إلى تحويل المجلس العسكري إلى آخر مدني يحوي تمثيلاً معقولاً للعسكريين، بما يتناسب مع التحديات الأمنية الشائكة التي تواجهها بلادنا، سيما في مرحلة التغيير التي تنتج في العادة انفلاتاً في الأمن، وشيوعاً لثقافة أخذ الحقوق باليد، من بعض الذين لا يدركون مطلوبات عهد الحرية.
*ذلك التحُوُّل لا يمكن أن يتم بتمثيلٍ رمزيٍ للمدنيين، لذلك نطالب المجلس بعدم التشدد في مواقفه التفاوضية، لأن الوقت ينفد أمامه، وهو مسؤول أمام الشعب عن أي انفلات أمني، أو تدهورٍ جديد في الوقع الاقتصادي الهش أصلاً.
*أما قُوى التغيير فندرك أنها مواجهة بتحديات داخلية مٌعقَّدة، أنتجها تكوينها، الذي ضم أحزاباً وحركاتٍ مسلحةٍ وكيانات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، لم يجمع بينها إلا الرغبة في إسقاط النظام السابق، وبالتالي كان من الطبيعي أن يظهر عليها التنافر، وتتكاثر بينها بيانات التنازع، بعد أن تحقق الهدف الأول للإعلان الذي جمع كل تلك المكونات في مستهل شهر يناير المنصرم.
*غني عن القول إن أي نظام جديد للحكم لا يعالج قضية الحرب في بلادنا لن تكون له أي قيمة، ولن يفلح في نقل البلاد إلى آفاق السلم والاستقرار والازدهار، لذلك حرصت على تتبع مواقف الحركات المسلحة مما يجري حالياً.
*احتجت الحركات على عدم تمثيلها في وفد التفاوض مع المجلس العسكري، وأكدت أن قوى التغيير لم تنل منها تفويضاً، ولم تكلف نفسها عناء التواصل معها لتحسس آرائها ومواقفها حول أهداف وتشكيلات المرحلة الانتقالية، والعلاقات التي تربط بين مكوناتها.
*حدث ذلك مع أن تلك الحركات مرتبطة مع معظم أحزاب قوى الحرية والتغيير بتحالف نداء السودان، وبرغم أن المهندس عمر الدقير يشغل منصب رئيس نداء السودان في الداخل.
*بمقدور تلك القوى أن ترفع وتيرة تواصلها، وتضبط أداءها، وتُوحِّد رؤيتها بما يخدم قضيتها، ويدعم موقفها التفاوضي مع المجلس العسكري، بدلاً من استمراء التراشق بالبيانات، وتبادل الاتهامات في وسائل التواصل الاجتماعي، سيما وأن المجلس العسكري فتح لنفسه قنوات اتصال خاصة مع الحركات، والتقى الدكتور عبد العزيز عُشر، الأخ غير الشقيق للدكتور جبريل إبراهيم (رئيس حركة العدل والمساواة) قبل أيام من الآن، وقد نشرت وسائل الإعلام صورة تجمع البرهان وحميدتي مع عُشر، لتؤكد جدية المجلس في استصطحاب رؤية الحركات الدارفورية خلال الفترة الانتقالية.
*لكن الثابت أن عُشر (عضو وفد التفاوض الخاص بقوى التغيير) لا يمثل حركة عبد الواحد، ولا يستطيع أن يتحدث باسم الحركة الشعبية (جناح الحلو)، التي لاذت بالصمت التام، ولم تُعلن موقفها مما يجري في الخرطوم حالياً.
*الوضع العام في غاية التعقيد، والتحديات جِسام، والوقت أثمن من أن يُهدر في تفاوضٍ لا نهائي، سيما وأن المتاح منه لإنجاز المهمة قصير ومحدود، فاتفقوا بسرعة هداكم الله، وقدموا مصلحة الوطن العليا على المكاسب المحدودة، كي تكتمل عملية التحول في أجواء آمنة تسودها الثقة، وتظللها الرغبة في نقل السودان إلى آفاق الحرية والاستقرار والازدهار.
د. مزمل أبو القاسم
صحيفة المشهد