ما انتهت عليه الثورة، هو طمعُ الطامِعين في السلطة من قوى الحرية والتغيير، وحالة الانفلات الأمني والجُرأة على هدم الدولة، فما يجري اليوم هو حالة مُتوقّعة كانت مؤشراتها ودلائلها واضحة منذ اليوم الأول، فالقوى اليسارية التي تصدّرت المشهد العام وارتباطها الخارجي وطرحها لمشروع سياسي هدفه تخريب البلاد وهتك أنسجتها الاجتماعية والسياسية وتمييع المجتمع ومُحاربة عقيدته ودينه وتحطيم ما يعصمه، هو ما كانوا يسعون إليه لا تهُمّهم الحرية ولا الديمقراطية ولا كرامة الإنسان ولا الحفاظ على حرمة الدماء ولا كبرياء البلاد وسلامتها، فهذه الأحزاب التي باتت مطية للقوى الخارجية تُنفّذ مُخططها التدميري بدقة مُتناهية وتقود البلاد للفوضى باسم الثورة والحرية والعدالة.
حتى لا ينخدع الناس، فإن الأسس الفكرية والنظريات السياسية التي تؤمن بها أحزاب اليسار، تقوم على نشر العنف والاضطراب وهدم الأخلاق وصناعة الفوضى، وقد يبلغ بهم الحقد الأعمى إلى تحطيم الدولة وكيانها والتشكيك في قُدرتها على مواجهة التحديات وهو ما يفعلونه اليوم بالتحريض على الفوضى وتشجيع الموتُورين ومحاولة تصفية وترهيب الخصوم بشتى الطرق والأساليب، لم تتغيّر طرقهم ولَم تتبدّل أخلاقهم، ولَم يستفيدوا من كل تجارب التاريخ القريبة والبعيدة، ولا المزالق التي انزلقوا فيها من قبل ..
حالة الانفلات الأمني التي تعيشها ولاية الخرطوم وولايات أخرى، لا يرجع سببها إلى الإفرازات الطبيعية والآثار الجانبية للثورات الشعبية، إنما هي عمل مُنظّم تمّت حِياكته بدقّة ووفّرت أحزاب اليسار مُبرّراته ودوافعه وجرّت إليه أطرافاً أخرى حتى تتأزم الأوضاع الداخلية وتتوتّر الأجواء وتنهار الدولة بالكامل ليأتوا ليبنوا مشروعهم على أنقاضها بعد أن يتخلّصوا من كلِّ ما هو سابق، وكل ما هو ثابت لدى السودانيين، وليس أدل على هذا الكلام من الواقع الذي تعيشه يومياً، حيث سعت الأحزاب اليسارية إلى جعل الاعتصام قائماً ليكون عقبة يومية تُهدّد الأمن والسلامة العامة، وتُعطل حركة النقل والتنقّل، وتعوق انسياب النشاط العادي للاقتصاد والتجارة ومُهدِّداً أمنياً لا يُمكِن تصفيته بسهولة، واستغلت قوى اليسار الاعتصام لإرهاق القوات النظامية وقوى الأمن والإبقاء على حالة الشد والجذب وإدامة تأهّب الجيش والدعم السريع والشرطة والأمن، واستنزاف هذه القوات إلى أقصي حدٍّ، مع تضييع وقت المجلس العسكري في مفاوضات طويلة وعبثية لا طائل من تحتها حتى يتحقّق هدف الانهيار الأمني الكامل ..
وفّرت الحالة الراهنة بكل ما فيها غطاءً لاختراق استخباري وأمني لا يُمكن تصوُّره، انفتحت البلاد بالكامل على تدفّقات مهولة لعناصر مخابرات أجنبية جاءوا تحت مظلات إعلامية ووفود صحفية لتغطية الاعتصام، وهم الآن يُمارسون أنشطة مشبوهة غير خافيةٍ على كلِّ ذي بصرٍ وبصيرة، انعكست في الظواهر الغريبة التي ظهرت في الشارع السوداني، ومنها العُنف غير المُبرّر والنهب والسلب والاعتداءات والجرائم المُنظّمة والفَلَتان الأمني غير المسبوق، كما تسلَّلت عناصر الحركات المُتمرّدة واتخذت مواقعها في هذا المشهد الغريب وتجدهم في ساحة الاعتصام وفِي الشوارع وأحياء الخرطوم ينتظرون لحظة الانقضاض الكامل على كل شيء ..
إذا لم ننتَبِه جيِّداً لما يدور، فإنا مُواجَهون بواقِع قد يصعُب التعامُل معه، فالأمن مسؤولية الجميع حُكّاماً ومحكومين، لابد من تعاون وتحرّكات رسمية وشعبية لاحتواء ظاهرة التفلّتات الأمنية ومساعدة القوات النظامية على الانتشار بعد التنسيق بينها، فإذا نزلت القوات خاصة الشرطة والأمن بجانب الدعم السريع الموجود أصلاً وظل مواصلاً تنفيذ مهامه وحفظ الأمن خلال الأيام الماضية، سيعود الأمن ويشعر المواطن بالطمأنينة.. المهم أن يتم كل ذلك بسرعة قبل فوات الأوان .
الصادق الرزيقي
الصيحة