* المتابع للمشهد السودانى يلحظ ظهور بعض ملامح السيناريو المصرى الذى ساد عقب نجاح الثورة المصرية وتمخض في آخر الأمر عن عودة الدكتاتورية المطلقة بأسوأ مما كانت، وبما ان الشعوب تتأثر ببعضها البعض خاصة في عالم تتحكم فيه شاشة صغيرة جدا، فكل الخوف ان تؤول ثورتنا الى نفس المصير الذى آلت إليه الثورة المصرية إذا لم نعلى صوت العقل ونتعلم من ما حدث في مصر !!
* لنأخذ ثلاثة مظاهر لهذا السيناريو: ونبدأ بظاهرة وضع المتاريس واغلاق الطرق والكبارى وخطوط السكة حديد التى تشهدها بلادنا الآن، وكانت كذلك أحد أبرز مظاهر الثورة المصرية وظلت تتطور حتى بعد تكوين المؤسسات الدستورية، وكان كل من له قضية مطلبية أو حتى شخصية يخرج الى الشارع ويمارس تعطيل المرور وغلق الطرق والكبارى وخطوط السكة حديد، الأمر الذى أدى لحدوث فوضى عارمة وتعطل المصالح واختلال الامن والظهور بشكل سئ في نظر العالم مما كان له أسوأ الأثر على الاقتصاد المصرى وتعامل العالم مع مصر .. (كان ذلك قبل انقلاب السيسى وانتشار الهجمات الارهابية) !!
* قد يكون مقبولا اللجوء لتلك الممارسات لتعطيل حركة الكتائب والقوات التى كانت تمارس العنف وتقتل المتظاهرين السلميين قبل سقوط النظام، ولكن ما الذى يدعو الى ذلك بعد نجاح الثورة وتوقف العنف ضد المتظاهرين، واحتلالهم لمساحات واسعة بما في ذلك ميدان القيادة العامة للجيش للتعبير عن مطالبهم بحرية كاملة بدون أن يتعرض إليهم أحد، سوى تعطيل المصالح، وفتح الباب أمام الفوضى وإتاحة الفرصة للمخربين لاجهاض الثورة؟!
* المظهر الثانى، الفوضى العارمة في المرور وتعطل مصالح الجمهور وثورته بسبب إضراب ضباط وجنود الشرطة (من الرتب الصغيرة والوسيطة) للمطالبة بإعادة هيكلة الشرطة على أساس قومى وتحسين أجورهم ..إلخ وهى في رأيى المتواضع مطالب مشروعة خاصة مع الإجحاف الشديد الذى ظلت تتعرض له الشرطة خلال الحقبة السابقة، ولكن هل هذا هو الوقت المناسب لرفع المطالب، وهل الاضراب هو الوسيلة الصحيحة التى تلجأ إليها قوة نظامية يجب أن تتقيد بالضبط والربط والتسلسل الهرمى للرتبة العسكرية، وإلا تحولت الى قوة فوضوية يعصى فيها الجندى قائده ويصبح هو الآمر الناهى؟
* نفس هذا السيناريو حدث في مصر بعد الثورة وتمخض عن تعطل المصالح وانتشار الفوضى والجرائم والعنف وفقدان هيبة الشرطة والدولة، فهل هذا ما نريده، ولماذا سكتت رئاسة الشرطة والمجلس العسكرى عن ما حدث، ولم تتخذ التدابير التى تمنع حدوثه مرة اخرى، خاصة مع صدور مذكرة عن المضربين بالعودة الى الاضراب إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم، ودعونى أكون صريحا وأزعم وجود رائحة مريبة وراء هذا الإضراب، فلا يمكن لشخص عاقل أن يقدم مطالب لسلطة لم تتشكل بعد، دعك من قوة نظامية!!
* المظهر الثالث هو الاعتداء على اجتماع مجلس شورى المؤتمر الشعبى، ومع إدانتى لكل أشكال العنف من أى شخص أو جهة سواء كانت جماعة منشقة عن المؤتمر الشعبى انتهزت فرصة تحلق المتظاهرين حول قاعة الاجتماع والهتاف ضد انصار النظام المخلوع، فتسللت الى القاعة واعتدت على المجتمعين الذين يختلفون معها في الرأى، أو متظاهرين غاضبين دخلوا في عراك مع جماعة تنتمى للنظام المخلوع، فإن المجلس العسكرى والسلطات الأمنية تتحمل القدر الأكبر من المسؤولية لسبيين، الأول عدم توفير الحماية المطلوبة للاجتماع قبل بدايته، خاصة مع الظروف التى تشهدها البلاد والغضب الذى يتأجج في النفوس من النظام المخلوع، وحالة الانقسام الحادة التى يشهدها الحزب، الثانى ترك ابراهيم السنوسى وعلى الحاج طليقين رغم إرتكابهما جريمة الانقلاب على السلطة الشرعية بالسلاح التى يعاقب عليها القانون بالسجن المؤبد والاعدام، مما قد يراه البعض تراخيا وتهاونا من المجلس العسكرى والسلطة واستهتارا بالثورة، فيفعلوا ما يريدون كما شاهدنا في السيناريو المصرى، فهل هذا هو ما نريد أم أن هنالك من يتعمد ذلك حتى نقع في الفخ المصرى؟!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة