الأسطورة تتفكك.. عقب سقوط البشير بدا وكأن المؤتمر الوطني فص ملح وذاب.. السؤال الراهن من أين أتى هؤلاء وإلى أين ذهبوا ؟ (حزب المخلوع)

الحراك الكبير الذي شهدته البلاد لما يقارب الأشهر الخمسة الماضية، والذي أفضى إلى تغيير حقيقي، أسقط من خلاله البشير من سلطة ظل يقبض عليها ثلاثين عاما، بسجنه وسجن قيادات تنظيمه الكبار، وتبقى كيان المؤتمر الوطني حتى اللحظة كيانا مهلهلا ضعيفا لم يخرج منه أي رد فعل سواء أكان هذا الرد عنيفا أو حتى ضعيفا، الكل توارى وصمت تماما إزاء المشهد الجلل الذي أزاح الوطني، بما طرح ذلك عدة أسئلة وهي: أين ذهب هذا الكيان الذي كان يراه الجميع متجذرا منظما عميقا، من الصعب جدا القضاء عليه، ولكنه يظهر الآن وكأنه رؤوس بلا قواعد، فأين ذهبت عضويته التي بلغت في تقديراتهم قبل السقوط ما يقارب 8 ملايين عضو؟ هل تبخروا فجأة؟، أين كتائب ظل علي عثمان؟ هل تمت السيطرة عليها بهذه السهولة؟ أم أنها كانت فزاعات وهمية لمزيد من السيطرة؟ ما هي السيناريوهات المتوقعة لظهور الحزب في المرحلة المقبلة؟ هل ارتضى الحزب العقائدي بالتغيير وأخذ خطوات للخلف خوفا من بطش مضاد؟ هل هو تراجع مؤقت لتنظيم الصفوف مرة أخرى وإعادة الحزب بشكل جديد في مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية والانتخابات، أم أن التغيير بالفعل قضى نهائيا على أسطورة المؤتمر الوطني والتي تلاشت بمجرد سقوط البشير؟ هل التغيير قطع نهائيا شجرة الوطني أم أننا أمام سيناريوهات محتملة لم يحن الأوان لقراءتها بعد؟ فإذا كان السؤال المطروح على مدى سنوات المؤتمر الوطني في الحكم هو من أين أتى هؤلاء؟ فان السؤال الأبرز الآن هو أين ذهب هؤلاء؟

رفض الترشيح
ناقشنا عددا من قيادات الوطني في هذا الأمر وكان ردهم أنه كانت هناك انقسامات في الحزب في الفترة الأخيرة حول رفض البعض استمرار البشير في السلطة، بالإضافة إلى فشل الحكومة في معالجة الوضع الاقتصادي الذي انهار تماما بالبلاد، مقرين بأن الأمور لم يكن لتستقيم بهذه الطريقة والقيادة بالشكل التي كانت عليه في الفترة الأخيرة، وقالوا إنه كانت هناك دعوات كثيرة للإصلاح من داخل الحزب، ورغبة حقيقية في محاربة رؤوس الفساد التي شوهت التجربة ولكنها توقفت لأسباب أحبطت الكثيرين في عضويتنا، ولذلك حدثت الفجوة بل الهوة الكبيرة بين القيادة والقواعد، وبرروا ذوبان الحزب بعد التغيير إلى أنهم ارتضوا بهذا التغيير ولن يكون هناك رد فعل، وقالوا إذا كانت المطالبات بعدم مشاركتنا في المرحلة الانتقالية فهذه رؤيتنا أصلا بأننا لن نشارك فيها، مستدركين في الوقت نفسه بأن الحزب سوف يعود بعد الفترة الانتقالية لكن بأشكال مختلفة، مضيفين: حزبنا متجذر صحيح ارتضينا التغيير ولكن سنعود بصورة مختلفة ستثبتها الأيام المقبلة، وسوف تكون الانتخابات سانحة لإثبات قواعدنا وقواعد الآخرين، مطالبين بتقديم كل من تورط في جرائم أو فساد للمحاكمة ومعلنين أنهم مع العدالة التي تعاقب المخطئ والمذنب ولكنهم ليسوا مع أخذ (الحابل بالنابل) بمعاقبة الجميع وتشويه صورهم أمام أسرهم بلا أي ذنب، وتابعوا: نحن مع العدالة الناجزة فإذا كان شعار الثورة الرئيس (حرية سلام وعدالة) فلابد من تطبيق هذا الشعار كاملا دون تشويه أو تصفيات شخصية.

عقائدي متجذر
كما رأى عدد من الخبراء المصريين في الشأن السوداني أن المؤتمر الوطني حزب عقائدي متجذر فعلا ومن الصعب تصور أنه انتهى بهذه الصورة المطروحة على الساحة الآن.
وقال خالد محمد علي رئيس قسم الشؤون العربية والدولية بصحيفة الأسبوع المصرية والخبير بالشأن السوداني: (الوطني) تعرض لانشقاقات كثيرة كان أكبرها وأهمها انشقاق المؤتمر الشعبي عن الوطني، مضيفا: في تقديري أن المجموعات التي انشقت عن الحزب كانت أكثر إيمانا بـ(الفكرة) عن المؤتمر الوطني نفسه، وأن ما تبقى في الوطني مجموعات مصالح التفت حول السلطة وليس الفكرة، وتابع: هذه الدوائر أخذت في الالتفاف حول السلطة ووصلت إلى مجموعات صغيرة حول رأس السلطة، انتهت بانفراد البشير وحده باتخاذ القرار، وظهرت الفجوة الكبيرة بين القمة والقواعد في الحزب بما ساعد في السقوط الكبير الذي يظهر بصورته الآن، وقال إن البشير بدا وكأنه آخر ورقة سقطت في شجرة الحزب العتيقة، لافتا إلى أن الحركة الإسلامية في الفترة الأخيرة كانت تحاول أن تنأى بنفسها عن إخفاقات الحزب المتعددة، وإلى أنها بدت وكأنها كيان منفصل عن المؤتمر الوطني، وتوقع أن يظهر الوطني بمجموعات تمثل الحركة الإسلامية لكن بأسماء مختلفة في فترة ما بعد الانتقالية، وقال: أتصور أن الفترة الانتقالية ستشهد حالة من كمون الحزب وعدم ظهوره، مضيفا ولكنه سوف يظهر بشكل مختلف بحالة من النشاط السياسي قوية في مرحلة الانتخابات، وربما تشهد هذه الفترة ما بعد الانتقالية اندماجات لكيانات الإسلاميين ما بين الشعبي والإصلاح الآن وأشخاص من الوطني، وتابع إن هذه الكيانات ستكون قوية لأن لها قواعد على الأرض وسوف تنافس بقوة حتى الأحزاب القديمة كالأمة والاتحادي، وعن كتائب ظل الوطني قال خالد أعتقد أنها لو كانت موجودة كانت ظهرت خصوصا أنه لا توجد أسرار بالسودان، مضيفا أن تلويح علي عثمان بها في حديثه الأخير قبل السقوط كان موجها على ما يبدو لقوات الدعم السريع، وقال في اعتقادي كان مجرد تهديد بأن لديهم ما يحميهم في حال السقوط، وحول إمكانية التشابه بين ذوبان الحزب الوطني في مصر بعد مبارك وبين المؤتمر الوطني بعد البشير قال خالد لا أعتقد أن هناك تشابها كبيرا بين الحزبين لأن حزب مبارك لم يكن عقائديا بل كان حزب مصالح ولذلك ذاب تماما بمجرد سقوط مبارك، صحيح ظهر بعد ذلك كأفراد في أحزاب أخرى إلا أنه لم يعد بنفس قوته، مضيفا أن المؤتمر الوطني برغم انقساماته وتصدعاته ما زالت فيه جيوب عقائدية تنظيمية يمكنها الظهور بشكل مختلف في ما بعد.

السيناريوهات المقبلة
ويبقى أن المشهد العام للتغيير الكبير الذي حدث بالبلاد لم تكتمل صورته الكلية بعد، فما زال الحراك مستمر والمطالب المرفوعة في طريقها للتنفيذ على الأرض في غياب تام للمؤتمر الوطني وتحول مؤيديه لمباركة مرحلة التغيير ونحن الآن في قراءات أولية لسودان بدون البشير والوطني وتبقى المرحلة المقبلة حبلى بالسيناريوهات المحتملة والمتوقعة ويظل السؤال الأخير: هل التوجه الإقليمي والدولي ببتر الإسلام السياسي من المشهد في المنطقة ككل سيساعد نفس الرغبة الداخلية في انتهاء المؤتمر الوطني بل والإسلاميين تماما؟ أم أن السودان بلد مختلف وسوف تقف عنده كرة الثلج للتخلص من الإسلام السياسي ولن تذوب في آخر محطاتها بالبلاد؟

الراكوبة نيوز

Exit mobile version