أنا لستُ رعديداً يُكبل خطوه ثِقل الحديد
لا لن أحيد..
كُنا كثيراُ ما نسأل باعجاب شديد عن سر تفرُد وتميُز الفنان الكبير حسن خليفة العطبراوي في آداء الأغنيات الوطنية والتي رُبما زاحمت في كمها وروعتها أغنياته في الغزل وقد أبّدع فيها هي الأخرى عليه الرحمة، حدثونا من عاصروا الرجُل أنّ القصة لم تكُن فقط أغنيات جميلة طَرِبَ بها الناس (زمان) ومازالوا بل أتبع العطبراوي القول بالعمل والنضال ولم تكُن أغنياته مُجرد شعارات يُطرِب ويُلهِب بها حماس الناس إنّما تقدّم بنفسه الصفوف وسجل إسمه في قوائم النضال ضد المُستعمِر وحجز مقعده باكراً بين السُجناء الشُرفاء..
يا غريب يلا يلا لي بلدك
يا غريب يلا يلا لي بلدك
لماذا لم يكُن العطبراوي كذلك وقد نشأ في بيئة مُشبّعة بالإنتماء لهذا الوطن الحبيب ، حدثنا التاريخ من بعد عن إنسانها النادر ونهرها الهادر وقطارها العامر وعن حديدها ونارها وشرارها أيضا..
حدثنا عن واحدة من أكبر مدارس الوطنية في البلاد مقرها عطبرة كان العطبراوي أحد خريجيها القُدامى وما زالت تُخرِج في الأبطال ، حواء عطبرة أيضاً ما زال رحمها طرياً لم يجف بعد وهي تُرضِع في أبناءها لبن الوطنية والجمال وتفطمهم على حُب البلاد والنضال.. عطبرة تاريخ من النضال يتشرّف به أهلها وجميع أهل السودان وهذا السفر شاهد على عظمتها ويضُم بين صفحاته الكثير من الفصُول النضالية قبل وبعد الإستقلال ، كفاح لم تسلم منه حتى الأنظمة الوطنية التي حادت عن جادة الطريق..
لم يوصد أبواب مدرسة نضالها ولم يُعرقل مسيرة كفاحها نظام الرئيس النميري ولم يُخيفها جبروته وقوة أجهزته يوم أن أعلنت عصيانها وتمردها عليه وهي تقف شامخة أمام تمدُد سطوته وقطعت الطريق أمامه..
ها هم الأحفاد اليوم يُرغمون قطار التاريخ بأن لا يتجاوزهم وأن يبدأ بمحطتهم تنفيذاً لوصية الأجداد وامتداداً لمسيرتهم ، استجاب لهم طائعاً وشهِد معهم إطلاق شرارة الثورة المجيدة وانطلق يُبشِر بها لم يتجاوز محطة من محطاته في شرق السودان وغربه إلّا وبشرها بالتغيير القادم ، شرارة اشتعلت في عطبرة تمددت وزادتها رياح التغيير اشتعالاً ولم تنطفئ جذوة نارها حتى قضت على يابس الإنقاذ وهشيمها وأحرقت شجرتها الكئيبة التي لم يستظل تحتها إلّا أهلها واقتلعتها رياح الثورة من جذورها ، خرجت الإنقاذ من المشهد السياسي مهزومة مدحورة تُجرجِر أذيال الخيبة وجاءت إلينا عطبرة مصدر الفرح الأول تُهنئنا بزوال النظام ..
اقشعرّت الأبدان وقفزت الدموع من المآقي فرحاً بمشهد قطار عطبرة المُهيب وهو يحمل في أحشاءه وعلى ظهره مُفجري الثورة ، مشهد عجيب أذهل العالم أجمع يدُل على عظمة وتميُز أهل هذه المدينة العملاقة..
التحية لأهل عطبرة..
وحفِظ لله البلاد والعباد..
بلا أقنعة – زاهر بخيت الفكي
صحيفة الجريدة