– ما بين الأعوام ٢٠٠٥ وحتى ٢٠٠٧ كان السيد بحر ادريس ابو قردة نايب رييس حركة العدل والمساواة السودانية التي كانت تقاتل مليشيا الجنحويد والقوات الحكومية في دارفور.
– لاحقا انشق السيد بحر ادريس ابوقردة عن حركة العدل والمساواة في العام ٢٠٠٧ وشكل حركة باسم القيادة الجماعية.
– في العام ٢٠٠٩ أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لايحة اتهام ضد السيد ابوقردة ولكن المحكمة التي انعقدت بحضوره في اكتوبر من ذات العام براءته من التهم المنسوبة اليه بالهجوم وقتل عدد من جنود القوات الافريقية في دارفور. ولَم يلبث ان وقع اتفاقا مع حكومة البشير وانضم اليها وزيرا.
– في العام ٢٠٠٤ فازت الصحفية نعمة الباقر بجائزة افضل عمل في الاحتفال السنوي الذي تقيمه رابطة الصحافة الأجنبية في لندن وذلك عن عملها الذي أنتجته لصالح القناة الرابعة في تلفزيون البي بي سي بعنوان ( الجنحويد ) وأجرت فيه لقاءا مطولا مع زعيم الجنجويد حينها الجنرال محمد حمدان حميدتي الذي أشار الى ان الحكومة استعانت بهم في حربها في دارفور ثم غدرت بهم ولَم تفي بوعودها وهدد بشن الحرب عليها.
– في وقت لاحق انضم الجنرال حميدتي الى الحكومة مجددا وأصبحت قواته تسمى الدعم السريع وأصبح الان نائبا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي.
– بحر ابوقردة ومحمد حمدان حميدتي نماذج لقوى اجتماعية حاربت السلطة المركزية بالسلاح وانتزعت منها حقوقا ومصالح وامتيازات لصالح جماعاتها الاجتماعية وهناك مجموعات اجتماعية اخرى لم تضطر الى حمل السلاح ولكنها استفادت من ضعف السلطة المركزية وصراعاتها لتحقيق مصالح كبيرة على صعيد نظام الادارة او مشاريع التنمية.
– بالمقابل فان تجمع المعارضة السياسية الذي هجر البلاد مع بداية انقلاب الانقاذ عاد بعد خمسة عشر عاما تحت رعاية اتفاقات دولية واقليمية، ولَم يحقق شيئا يذكر في تثبيت شعاراته التي يرفعها او بناء مؤسساته التي يدعو لها وذلك لسبب بسيط وهو ان هذا التكتل السياسي جعل من عودته تضحية كبيرة لتمكين الجماعة التي تعهدت بضرب مشروع الحركة الاسلامية في الحكم الفيدرالي وقسمة السلطة والثروة، وفِي سبيل ذلك قايض هذا التجمع حرياته وتنازل عن شعاراته وارتضى ان تقسم الانقاذ الجنوب للحركة الشعبية مقابل شرعنة نظامها في الشمال.
– بل ان التجمع عزل حركات دارفور ورفض ضمها اليه وتركها في الخارج وعاد للمشاركة في سلطة جعلت مناطق النزاع الشمالية مجرد ملاحق في اتفاقية الجنوب، وخلال السنوات ٢٠٠٥ -٢٠١١ تطورت قضية دارفور الى قضية دولية ودخلت جيوش بلغ تعدادها ٣٦ الف جندي وأحيلت قضيتها الجنائية الى محكمة الجنايات الدولية، حدث كل ذلك خلال حكم ائتلافي ضم الموتمر الوطني وجميع احزاب التجمع. بل ان رييس حزب الامة هب مدافعا عن النظام في وجه هجوم حركة العدل والمساواة على ام درمان بل ومدافعا عن راس النظام في وجه اتهامات المحكمة الجنائية الدولية.
– الان هب الشعب ضد نظام الانقاذ وطلب من قواته المسلحة استلام السلطة الى حين انتخاب حكومة مفوضة ديمقراطيا، وكان المأمول ان تكمل القوى السياسية ثورة الشعب من خلال تشكيل إرادة سياسية موقتة تقاسم الجيش مهام تسيير السلطة الانتقالية الى حين الانتخابات.
– ولكي تكتمل الإرادة السياسية خلال الفترة الانتقالية لابد من تواضع جميع القوى السياسية على حد ادنى من الاتفاق السياسي، والمدخل الصحيح لهذا الاتفاق ليس بادعاء تكتل سياسي حق احتكار النضال ضد الانقاذ، فتحالف الحرية والتغيير الذي يعترف بالجنرال حميدتي يريد ان يمارس فيتو على نضال السيد بحر ادريس ابوقردة ضد الانقاذ ويحدد نوع النضال المقبول عنده ويجعل من اعلان الحرية والتغيير شباكا للتذاكر على مدخل مسرح الحرية الواسع الذي انفتح في سماء الوطن.
– ان التفسير الوحيد لما يمارسه تكتل الحرية والتغيير من ديكتاتورية يشيد أركانها مكان الديكتاتورية التي سقطت هو ان هذا التكتل يخشى الحرية الحقيقية ويريد حرية مقاس نمرة خمسة فقط.
– يدعو تكتل الحرية والتغيير الى تمليكه موسسات الحكم اربعة أعوام بدون انتخابات وفِي ذات الوقت يرفع صوته بالشكوى من ان المجلس العسكري الانتقالي لا يرغب في تسليم السلطة لمدنيين !!! يرفض التكتل التوافق على إجراءات الفترة الانتقالية التي من شانها تسليم السلطة للمدنيين المنتخبين ويريد ان يمارس الاقصاء السياسي باسم الشرعية الثورية.
– دعونا نستعرض هنا نماذج من الاقصاء التي استطاع تكتل الحرية والتغيير ممارستها حتى الان والتي ادخلت المجلس العسكري الانتقالي في حرج قانوني بالغ:
– اصدر المجلس قرارا بإحالة بعض السفراء دون ابداء مبررات واضحة وبدون اتباع الاعراف الدبلوماسية الصحيحة فالصحيح ان الدول تستدعي سفراءها الذين تقرر إنهاء خدمتهم من دولة التمثيل وبعد اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة استنادا الى قوانين العمل والتاكد من إجراءات التسليم والتسلم بين السفير المعني بالإحالة ومن سيقوم مكانه من البعثة يبلغ بلد التمثيل بقرار إنهاء خدمة السفير الذي يمنح الفرصة الكاملة لأداء مراسم الوداع الرسمية للجهات التي قدم لديها أوراق اعتماده، لان بلد التمثيل لا علاقة لها بتطورات الأوضاع الداخلية في بلدنا التي اقتضت تغيير السفير بسفير جديد.
– هذا خطا إجرائي بسيط مقابل الخطا السياسي الفادح الذي ادى الى احالة سفيرين نالا منصبيهما وفق مخاصصة فرضتها معاهدات واتفاقات قانونية وسياسية ملزمة بين حكومة السودان وحركات مسلحة كانت تقاتلها، فما الذي يجعل نضال هذه الحركات اقل شانا من نضال جماعة الحرية والتغيير التي لم تفعل سوى تعليق لافتتها على مبنى الثورة التي صنعها جميع الشعب بجميع اطيافه السياسية والاجتماعية ؟
– كذلك اصدر المجلس العسكري الانتقالي قرارا باقالة وكيل وزارة الخارجية بسبب بيان اصدرته الوزارة اشارت فيه الى ان استعدادات تجري لاستقبال وفد قطري ينوي زيارة البلاد، ولو ان السيد وكيل الخارجية المقال لجا الى المحكمة الإدارية فان اقل قاض كان سيلغي قرار المجلس العسكري الانتقالي فورا ودون تردد وقد يأمر للسيد الوكيل بتعويض عن ما اصابه جراء هذا القرار غير القانوني.
– وهذه نماذج لما احدثه الصراخ السياسي الذي مارسه تكتل الحرية والتغيير ورقصة الهياج التي يمارسها حتى الان، لكن هذه النماذج سرعان ما تعمل على منح المجلس العسكري الانتقالي حصانة ضد الصراخ غير العاقل لانه سيبدا بادراك ان استجابته لهذا الصراخ تكلف غاليا سياسيا وقانونيا ويزداد وعيه بان ادارة الدولة تختلف عن محاباة طفل مدلل يطلب امتياز على اخوانه الآخرين بحجة انه أصغرهم عقلا وان لم يكن أصغرهم سنا.
– لا جديد يذكر في ما يفعله تكتل الحرية والتغيير ولو ان احدهم قضى سحابة يوم في دار الوثائق لخرج بعناوين من صحف اكتوبر ١٩٦٤ وأبريل ١٩٨٥ تحمل ذات مضامين الادعاءات والحشود ومحاولات احتكار الثورة وبطاقات الديمقراطية والتقدمية ووووو.
– لقد كان ولا يزال الأوفق توخي اجماع سياسي على معايير ادارة الفترة الانتقالية وحدود صلاحيات وسلطات مؤسساتها والتحديد الصارم لطريقة عملها وتضابطها وصولا الى هدف المرحلة الانتقالية وهو انتقال السلطة الى حكومة منتخبة لان الانتخابات هي المعيار الوحيد لقياس صحة ادعاء كل جهة انها تمثل الشعب كله، اما الغرف بالخف من مطمورة احتشاد قسم من المواطنين في اعتصام او تسيير مواكب فلن يقود الا الى المزيد من المواكب والاحتشاد.
– وحسنا يفعل المجلس العسكري الانتقالي حين يسعى الى لقاء قوى اجتماعية مؤثرة خارج المسار السياسي الذي تحتجزه قوى الحرية والتغيير وتصوب نحو راْسه فوهة غنجها ودلالها وصراخها غير المفهوم، فالوطن اوسع بكثير من خيال جماعة الحرية والتغيير التي لم تقدم لشعبه يوما ما يؤهلها لادعاء احتكار تمثيله، وثمة مكتسبات حققتها فئات سياسية واجتماعية منفردة او مجتمعة لا ينبغي ان تخضع لمزايدات تكتل يكذب على نفسه ويصدق كذبه، فذات الظروف والملابسات التي دعت القوات المسلحة لقبول الجنرال حميدتي في مجلسها القيادي الانتقالي تنطبق على قضايا نزاعات تمت بشأنها تسويات ينبغي ترقيتها وترسيخ مكتسباتها لا الغائها استجابة لصراخ سياسي بلا رصيد من إنجاز او عمل او مكتسبات.
صديق محمد عثمان
فيسبوك