الصادق الرزيقي: ضِيقَ الأُفق وقصر النّظر

قد لا يكون من المُناسب الآن، التّكهُّن بما سيكون عليه شكل العلاقة بين المجلس العسكري الانتقالي وقُوى الحُرية والتّغيير، التي تتحدّث بلهجةٍ تطفح بنوعٍ من التّصعيد والمُواجهة بغرض الاستهلاك المحلي داخل مُحيط الاعتصام منذ أن أعلنت قبل أيّامٍ، عَن تَعليق التّفاوض مع المَجلس، ثُمّ تَراجعت عنه بالأمس، مُحدّدة أنّها تُقاطع اللجنة السياسية بالمجلس العسكري، في تراجعٍ واضحٍ عن القَرار السَّابق للتَّحالف المُسيطر عليه من قُوى اليَسَار، مُقابل ذلك يتعامل المجلس العسكري الانتقالي بِرُوحٍ مَرِنةٍ، وسُلُوكٍ وكَلامٍ محسوبٍ بدقةٍ، وأداءٍ سياسي رفيعٍ، والسبب واضحٌ بالطبع، فالصورة الكلية للمشهد السِّياسي بكل تفاصيله ومُلحقاته وآثاره وتفاعُلاته الداخليّة والخارجيّة مُكتمل الجوانب، وموجودٌ أمام المَجلس العسكري، وينظر إليه عن كَثبٍ ويتعامل معه بواقعيةٍ وحس وطني رفيعٍ، بينما لم تخرج قُوى الحُرية والتّغيير من حالة الهياج الثوري وشرنقة الاعتصام والهتافية الضيِّقة، إلى الواقعية السياسية المطلوبة في هذه اللحظات المليئة بالتوقُّعات، والمفتوحة على كل الاحتمالات.

تُخطئ قُوى الحُرية والتّغيير ألف مرّة في مُحاولاتها الرامية لشق صف المجلس العسكري، واستهداف أعضاء فيه دُون الآخرين، وإيهام الرأي العام وإلهاء أنفسهم وغشِّها، بأنّ اللجنة السياسية بالمجلس العسكري شَيءٌ، وبقية أعضاء المجلس كَيانٌ آخر، بالطبع ليست جَزيرةً مَعزولةً داخل المجلس العسكري، بل هي أهم لجانه على الإطلاق، وما تقُوم به الآن من صميم واجبات المجلس، التي من أجلها انحاز للجماهير وقاد التّغيير وأطاح السُّلطة السياسية السابقة، وما تقوم به اللجنة الحالية المعنية بالشأن السياسي والحوار والتّنسيق مع المُجتمع الحزبي، ليس من بنات أفكار الفريق أول عمر زين العابدين ولا من تَخطيطه، إنّما هو تَوجُّه المجلس العسكري المُتّفق عليه بالكامل من جميع الأعضاء الذين يُؤمنون أنّ هذا هو المنهج السَّليم الذي يضمن سَلامة الحياة السياسية، التي لا تحتمل عمليات تجسير الثورة الشعبية لصالح فئةٍ أو مُحاولة مُمارسة، وتكريس مفهوم الإقصاء والعزل السِّياسي التي لا تُفيد ولا تُؤدِّي إلى نتيجةٍ سوى التّوتُّر والاضطراب.

لذلك ليس من النباهة السياسية، ولا الرشد والحكمة، أن تسعى قُوى الحُرية والتّغيير إلى اتّخاذ مواقف كلامية تبدو مُمِلّة وسَمِجَة كأنّها تُريد بغير وعي بحقائق الأشياء، أن تقول إنّ المجلس العسكري تحت سيطرتنا ويَستجيب لابتزازنا، ونَستطيع أن نفعل به ومعه ما نُريد!!! وهذا خَطأٌ فَادحٌ سَيُؤدي إلى نتيجةٍ غير مُتوقّعةٍ ومحمودةٍ، ستنعكس على قُوى الحُرية والتّغيير إذا خسرت التّعامل والتّواصل مع المجلس العسكري، ففي رصيدها أمام الرأي العام، تخسر كل يوم قُوى الحُرية التّغيير من موقفها المُتعنِّت هذا، بينما زادت ثقة الرأي العام في المجلس العسكري الانتقالي وتكاثف التأييد لحكمته وتعامُله المُتعقِّل مع مجريات الأحداث.

مهما حَدَثَ أو كان أو ما سيكون، نحن أمام حالة غير مُتّسقةٍ ومُنسجمةٍ مع الواقع، فالجيش والقوات النظامية التي يتشكّل منها المجلس العسكري الانتقالي، لن يقبل، ولن يقبل له عامة الشعب أن يكون عُرضةً لهذا النوع من الابتزاز السياسي الذي تُمارسه قُوى الحُرية والتّغيير، التي تنكّرت للقُوّات المُسلّحة وتخون الجيش في وضح النهار، فعندما لجأ أهل الاعتصام للجيش وطَالبوه بالتّدخُّل واستلام السُّلطة هل كانوا يستعبطون قيادات القُوّات النظامية أو يستغلونها، لتقوم بالتغيير وإزاحة النظام، ثُمّ تُسلِّم السُّلطة لقُوى التّغيير وحدها، دُون أن تتم أيّة ترتيبات تحفظ الأمن والسّلام الاجتماعي وتهيئة المناخ لتحوُّلٍ ديمقراطي وحكمٍ مدني حقيقي؟ لتدخل البلاد مرحلة أخرى من الاستقطاب والنِّزاع.. هَل يَظن هؤلاء أنّ حُلُم المجلس العسكري هو تَهاوُنٌ وضعفٌ..؟!! احذروا غَضبَة الحليم إذا غَضِبَ…

الصادق الرزيقي
الصيحة

Exit mobile version