نحن نعيش في عصر الطغاة المنتخبين، فالشعوب تنزع إلى الاعتقاد بأن الزعيم “الملهم القوي” ينحاز إليها في عالم “ظلوم”.
بهذا الاستهلال الموحي كتب مارتن وولف المحلل الاقتصادي في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مقاله، مشيرا إلى أن ما سماها “سياسة الخوف والغضب” تميل نحو الحاكم المستبد.
ويرى وولف أن “الحكم غير المؤسسي” الذي يقوده “طغاة منتخبون” قد يكون أسوأ من “حكومة مؤسسات يديرها زعيم معين كما هو الحال بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ”.
المؤسسات لا توقف الشعوب
ويعتقد الكاتب أن المؤسسات وحدها لن تستطيع احتواء التهديد المتمثل في نزوع الشعوب نحو الطغاة استنادا إلى سياسة الخوف والغضب تلك، وحدها السياسة القائمة على الأمل يمكنها احتواء ذلك الخطر، حسب مقال الصحيفة.
وفي الدول النامية فإن انتخاب طغاة محتملين غالبا ما يأتي عقب “الإخفاقات الصارخة” لأسلافهم من الحكام (كما في البرازيل)، أو بسبب تعرض الشعوب “للإذلال المتجذر” مثل ما يحدث في روسيا أو لكلا السببين، وفقا للمقال.
ويتساءل مارتن وولف: كيف يمكن للمرء أن يفهم منطقا كهذا في الولايات المتحدة، حيث يظهر تقرير المدعي الخاص روبرت مولر المكلف بالتحقيق في تدخل روسي مزعوم في الانتخابات الأميركية أن سلوك الرئيس دونالد ترامب في مرحلة مبكرة لم يكن مقبولا؟ ولماذا انتخب ترامب أصلا؟ ولماذا يظل كثيرون يولونه ثقتهم؟
ويرى الكاتب أن للإجابة عن تلك الأسئلة جانبين: الأول يكمن في الخوف والغضب، وهذا مرده إلى الإخفاقات الاقتصادية منذ زمن طويل، والأزمة المالية، والتحولات الثقافية.
ويضيف وولف إجابة أخرى تتمثل في رغبة بعض النخب في استغلال العواطف التي صاحبت تلك التحولات والإخفاقات في الحصول على تخفيضات ضريبية هائلة وإلغاء اللوائح المنظمة لها.
فايننشال تايمز: الرئيس الفلبيني دوتيرتي طاغية منتخب (الأوروبية)
الطغاة في كل مكان
ويعلل الكاتب تركيزه على الولايات المتحدة بقوله إنها ظلت المدافع الأساسي عن الديمقراطية الليبرالية.
وبرأيه، فإن المفارقة تكمن في أن الزعماء الطغاة المنتخبين يبرزون في الأنظمة الديمقراطية الراسخة “لكننا نراهم الآن في كل مكان”.
وضرب وولف أمثلة على ذلك بقادة مثل فلاديمير بوتين في روسيا، ونيكولاس مادورو في فنزويلا، وناريندرا مودي في الهند، ورودريغو دوتيرتي في الفلبين، وجاير بولسونارو في البرازيل، وبنيامين نتنياهو في إسرائيل، وماتيو سالفيني في إيطاليا ودونالد ترامب في الولايات المتحدة.
على أن فايننشال تايمز ترى تباينا بينهم في أسلوب الإدارة، كما أن بعض تلك الدول متطورة اقتصاديا، في حين أن الأخرى غير ذلك، ثم إن بعضها تبنى الديمقراطية نظاما للحكم منذ أمد بعيد.
الادعاءات الأخلاقية للطغاة
وعادة ما يطرح الزعيم المستبد نفسه على أنه الحامي الحقيقي للشعب من الأجانب والأقليات والنخب “الخائنة”، ويقول كاتب المقال إن هذا “ادعاء أخلاقي وليس سياسيا”.
ويصف الأستاذ في جامعة برينستون الأميركية جان فيرنر مولر في كتابه “ما هي الشعبوية؟” هذا النمط من السياسيين بالشعبوي، ولكي يكون ناجحا فإن على الشعبوي الديماغوجي أن يظهر ثقة بنفسه على أنه الرجل المبعوث من القدر.
وتنقل الصحيفة عن الأستاذين في جامعة “هارفارد” ستيفن ليفتسكي ودانيال زيبلات زعمهما -في كتابهما بعنوان “كيف تموت الديمقراطيات؟”- أنه ليس من العسير على أي زعيم يرغب في تقويض الديمقراطية أن يفعل ذلك، كل ما عليه أولا -برأيهما- أن يقبض على مؤسسات مثل القضاء وسلطات الضرائب والمخابرات وأجهزة إنفاذ القانون.
وثانيا، عليه أن يعمد إلى تهميش أو القضاء على معارضيه السياسيين، وفوق هذا وذاك الإعلام، وثالثا ينبغي عليه الإخلال باللوائح الانتخابية.
الجزيرة الاخبارية