-1- لو أن تجمَّع المهنيين سارع بتنفيذ ما هدَّد به، وقام بإعلان تشكيلة المجلس السيادي من طرف واحد، لوضع الحالة السودانية على شفا جرف قابل للانهيار.
تأجيل الإعلان إلى أيّامٍ قادمة -بغضِّ النظر عن الدواعي والأسباب – سيمنح فرصة أكبر ومساحة أوسع للتجمّع ومن يمثلهم لدراسة الخطوة من كُلِّ جوانبها، وما يُمكن أن تحقق من مكاسب أو تُلحق من أضرار.
-2-
سيَكسَب تجمع المهنيين كثيراً من الأعداء، وسيفقد العديد من الحلفاء إذا مضى على عجلٍ في اتجاه احتكار تشكيل القادم مُنفرداً دون أن يُفسح للآخرين مساحة المساهمة في صناعة القادم، أو إبداء الرأي على الأقل.
هذا التوجُّه الإقصائي والأُحادي جرثومةٌ لم تغادر جسد السياسة السودانية منذ الاستقلال، وهو الذي أسهم قبلاً في إسقاط الحكومة السابقة، حين كَثُرَ عليها الأعداء وأحاطوها بالرّماح والسيوف من كُلِّ الاتجاهات السياسة والاجتماعية.
صحيحٌ هناك مخاوفَ حقيقية ومُبرَّرة من أن يكون للمجلس العسكري نزوعٌ خفيٌّ لاحتكار السلطة، مُستفيداً من عامل الوقت واستغلال المُتناقضات والفوارق بين القوى السياسية، وفي الإقليم المثال والعظات.
-3
نعم، تلك مخاوفٌ حقيقيّة، ولكنها لا تستدعي تبني خطاب انفعالي مُتشنِّج تعلو فيه الأنانية وتسقط قيم قبول الآخر، كما حدث ليلة أول أمس، أمام القيادة.
حتى يكون هناك استقرارٌ في الفترة القادمة، لا بد من وجود توافقٍ وتعاونٍ بين المدنيِّين والعسكريِّين ولو على الحدِّ الأدنى.
وما كان للثورة أن تنجح وتُحقِّق مُرادها في إسقاط النظام، لولا انحياز الجيش والقوات النظامية للخيار الشعبي.
لو استمرَّت الاحتجاجات لأكثر من عام، لما بلغت مبتغاها دون انحياز الجيش.
ولولا تصاعد الاحتجاجات واتِّساع حاضنتها الاجتماعية، لما استطاع الجيش أن يُنهي حكم البشير بين عشيَّةٍ وضُحاها.
-4-
هذه الحقيقة يجب أن تُصبح أرضيةً ترتكز عليها الفترة الانتقالية:
حكمٌ مدنيٌّ لا يجد دعم الجيش وحمايته، لن يصمد أمام أقلِّ التحدِّيات واخف الرياح.
سلطةٌ عسكريةٌ تمنع الحُريَّات وتحظر التكوينات الحزبية أو تحدُّ من فاعليتها، لن تجد مصيراً أفضل من سابقاتها.
لذا على تجمّع المهنيين، أن يمدَّ بصره خارج مدى اللحظة الثورية، ويجيب عن سؤال مهم، إذا قرر المجلس مُجبَراً تحت الضغط أن يتنازل الآن عن سلطته لمجموعة مدنية، تختارها قوى التجمّع: ماذا يُمكن أن يحدث غداً؟
بكُلِّ تأكيد، لن نتوقَّع أن تجد السلطة الجديدة الدعم والإسناد المطلوب من السلطات الأمنية في الفترة الانتقالية.
بل قد يكون الراجح أن تعمل الأجهزة الأمنية، على إظهار عدم صحة تقدير تسليم السلطة، وذلك لعدم جاهزية القوى المدنية في التعامل مع مُتطلَّبات الظرف الانتقالي.
كما أن إقصاء القوى السياسية والاجتماعية الأُخرى، سيُسهم في تكوين معارضةٍ شرسةٍ تُضيِّقُ على السلطة الانتقالية أمر إدارة شؤون الدولة.
إما إذا كان خيار المجلس العسكري المُماطلة والتسويف بالرهان على عامل الوقت، لتمديد زمن بقائه في السلطة، أو استدامة الوضع بالتجميل واستخدام المساحيق الديمقراطية، فسيجد في الأمر عسراً لن يطيق معه صبراً.
-5-
والوضع على هذا الحال، وبتلك التعقيدات، لن تجد كُلُّ الأطراف من خيارٍ سوى التعامل بحكمة وطنية وذكاء سياسي يُوسِّع فرص التعاون ويُضيِّق هوامش المُناورة.
الوضع السليم الذي سيضمن نجاح الفترة الانتقالية، وسيُحقِّقُ انتقالاً سلساً وآمناً، بأعلى درجة توافق مُمكنة، هو إضافة مُمثِّلين مدنيِّين للمجلس كضامنين لعدم الانحراف عن المسار، مع توسيع صلاحيات مجلس الوزراء المُكوَّن من كفاءات وطنية غير حزبية، مع بقاء تجمّع المهنيين كقوة ضغط تحرس وتحمي المُكتسبات المُتحقِّقة، مع وجود مجلسٍ تشريعيٍّ انتقاليٍّ مُكوَّنٍ من طيفٍ اجتماعيٍّ واسع، على أن تتَّجه القوى الحزبية لتنظيم صفوفها وترتيب أوراقها للانتخابات القادمة بعد عامين و(الحشاش يملا شبكتو).
ضياء الدين بلال