الصادق الرزيقي: النهب (المُصلّح) للثورة

مساكين هؤلاء الشباب.. عرقهم لم يجف، دماؤهم النازفة لا زالت تتوهّج غاضبةً، صُور زملائهم وإخوانهم الشهداء لم تغب من أمامهم، حناجرهم المملوءة بالهتاف لم تنضب، قبضات أياديهم لم تزل تُعانق الهواء، لكن الثورة التي أشعلوها وألقوها حَيّةَ زاهية اللهب، وأحلامهم بالتغيير، سُرقت بحرفيةٍ وخبرةٍ وحَذقٍ من بين أصابعهم، نُزعت من أحضانهم، سُلبت بمهارة نشّال من كل مكان وضعوها فيه وخبأوا سِرّها في عروقهم، حلّ عليهم سُرّاق الثورات بليلٍ، جاء الحزب الشيوعي السوداني مُتخفياً في زي تجمُّع المهنيين، وأحزاب يسارية أُخرى لبست ثيابها التنكُّرية واختارت واجهاتها، ومن كل شق في الجدران الثوري تسلّل لُصُوصُ الهِبَات الشعبية، سرقوا ثورة الشباب وادّعوها لأنفسهم، وتزعّمت الأحزاب ميدان الاعتصام وتصدّرت الواجهة، وأعلنت أنّ الثورة مولودٌ شرعيٌّ لها، تُريد أن تثبت بكل الطُرق أبوّته وأمومته..!

مساكين هؤلاء الشباب، خدعوهم بقولهم ثُوّاراً، والشباب يغرّهم الثناء الثوري، ربتت الأحزاب اليسارية على أكتافهم، بعد أن استنزفوا قُواهم في التظاهر والاحتجاج، وتوسّدوا الأحجار والطوب، وأعطوا شوارع الأسفلت أجسادهم النّحيلة المُتعبة، وعَانوا الجُوع والعطش، واخترق رئاتهم وأُنُوفهم وأعينهم دُخّان الغاز المُسيل للدموع، ولعلع الرصاص في طبلات آذانهم، واختلط الدمع بالدم وبالعرق، وسُحبت ألوانهم التي تعفّرت بالتراب ولهب شمس صيف أبريل الحارق، نهبت وَسَطت الأحزاب على ثورتهم وحوّلتها لصالحها، وظهر كرادلة السِّياسة ودهاقنتها، اختلسوها وأخذوا نضارتها منهم وقطفوا ثمرتها الناضجة ويُريدون كسياسيين اقتسام منجز الشباب والتهامه دُون أن يطرف جفنٌ لسياسي أو يندي جبينٌ لحزبي لحوح….!

مساكين هؤلاء الشباب، هم أشقياء بثورتهم التي أخرجوها من بين فرث ودم الشارع، فتسلّق سنديانتها الدجالون من أهل السياسة، وهم زُمرة من الأحزاب التي تُجيد حرفة النهب المُصلّح للثورات والعيش الطفيلي على إنجاز الغير…

يُمكن لهؤلاء الشباب الانطلاق بأنفسهم في طريقٍ ثالثٍ جديدٍ، فليُشكِّلوا حزبهم الخاص وهم يعضون بالنواجز على ثورتهم ومُستقبلهم، هم من صنع الحاضر، فعليهم البدء في طريق المُستقبل، لقد تاجرت بهم الأحزاب، وخانت جهدهم، وتنكّرت لشهدائهم، وتنكّرت عليهم وأرادت سرقتهم ونهبهم في وضح النهار، لقد آن أوان الشباب في تشكيل حزبهم والوعاء الذي يُعبِّر عنهم، فلن تضيع أحلامهم ولن يحتويهم سراب الأحزاب العريض..

الصادق الرزيقي
الصيحة

Exit mobile version