جهاز الأمن..مطلوبات الهيكلة والإصلاح

لم تمض ساعات على سقوط نظام البشير واستلام الجيش للسلطة، حتى ارتفعت بعض الأصوات داخل قوى التغيير والحرية بعدة مطالب تريد من المجلس العسكري الانتقالي تنفيذها، على رأسها حل جهاز الأمن والمخابرات الوطني وتفكيكه لاعتبارات تتعلق بارتباطه بالنظام السابق، على أنه دولة موازية صنعها النظام لحماية نفسه والتنكيل باعدائه.
رئيس المجلس العسكري الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أكد أمس في حديثه للتلفزيون القومي أن هيكلة الجهاز وإصلاحه ضرورة، وأشار في هذا الصدد إلى تشكيل لجان لمراجعة قانونه خاصة في ما يتعلق بالمواد المتقاطعة مع الحريات، وأكد في الوقت نفسه أن الهيكلة بدأت بإعفاء الرتب الكبيرة (رتبة فريق).

لكن يبدو ان مطلب حل جهاز الامن كان مطلباً صعباً على القيادة الجديدة، خاصة ان هناك تجربة غير بعيدة عن المشهد الامني السوداني وهي حل جهاز امن الدولة بعد افول نجم الرئيس الاسبق جعفر نميري خلال انتفاضة ابريل في عام 1985م, ويبدو كذلك ان حديث الخبير الامني السابق المرحوم حسن بيومي مازال يطرق الاذان بأن حل جهاز امن الدولة في حينها ترك ظهر البلاد مكشوفاً للعدو الخارجي، وانه يعتبر من أخطر القرارات التي تم اتخاذها بعد إعلان القيادة العامة للقوات المسلحة الانحياز للشعب واسترداد الديمقراطية بعد حكم عسكري دام ستة عشر عاماً في العام 1985م. ووصف بيومي في احدى كتاباته القرار بأنه كان قراراً مستعجلاً وخاطئاً في حق أمن البلد وأهله، وأدى إلى نتائج خطيرة أقلها وحسبما نقل مسؤول وقتها، أن جهات بعينها استطاعت في دوامة قرار الحل المباغت الحصول على ملفات بالغة الأهمية، وتعرضت لخطر داهم جعل رئيس الوزراء الاسبق الجزولي دفع الله يتحسر عند تسليمه السلطة للصادق المهدي قائلاً: (إنني أعتذر لكم يا سيادة الرئيس مرتين، مرة لعزل جهاز أمن الدولة، والأخرى عن عدم تسليمك جهازاً بديلاً)، ليس هذا فحسب ولكن كان عدم وجود جهاز بكل اداراته سبباً مباشراً في سقوط نظام الصادق المهدي او كما قال هو بنفسه: (ان سبب السقوط انني لم تكن لدي قرنا استشعار)، ولا يخفى على من ليس بعينيه رمد المعنى الذي كان يقصده المهدي بهذه المقولة، فلم تكن الدولة حينها تمتلك اجهزة مخابرات تجلي له الحقائق وتقرأ له ما هو كائن او ما يخطط خلف الجدران.

ما قادنا لكل ذلك القرار الذي اتخذه رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق ركن عبد الفتاح البرهان بإحالة أية رتبة فريق بجهاز الامن للتقاعد، مما دعا البعض للقول ان هذا القرار بداية الحل والهيكلة لجهاز الامن الوطني، بينما يرى آخرون ان هذه الاحالة ربما تغني المنادين بحل الجهاز عن هذه المطالبات، خاصة ان الحق قد يكون مع من ينادون بالحل، ليس لعدم خبرة ودراية ببواطن الامور، وانما قد تكون المطالب كما يقولون نتيجة ان الجهاز هو من قام بقمع المحتجين لمدة اربعة اشهر هي عمر الاحتجاجات؟ كما ان تساؤلاً نقيضاً يستوجب الاجابة عنه، وهو هل يعتبر حل الجهاز هو الحل ام الحل في اصلاحه؟ الم يمكن للجهاز بتشكيلته الجديدة والهيكلة التي بدأها البرهان حماية المعتصمين من بطش القوى الاخرى سواء خارجية او داخلية؟ وهل هناك تحسب لما بعد القرار؟ وهل يمكن لدولة ما ان تترك اسرارها مشاعة دون رقيب؟ وهل يمكن تعويض الخبرات التي تم الصرف البذخي عليها في التدريب الخارجي؟ وكيف يمكن التفريط بصورة مفاجئة في من هم مخزن الاسرار بالنسبة للبلد؟
إبراهيم الشيخ من حزب المؤتمر السوداني اجاب عن جزء منها خلال جلسة مفاكرة بالقيادة العامة، حيث دافع عن عدم حل جهاز الامن، وطالب فقط باجراء معالجات لما كان سائداً بالتعرض لحياة الناس والتدخل فيها، وطاالب بأن تكون مهمته فقط استخباراتية تختص بجمع المعلومات وتقديمها للمجلس السيادي الانتقالي، ومن ثم يتم اتخاذ القرارات على اساسها، مؤكداً على ضرورة ترتيب الاوضاع في الفترة الانتقالية نسبة لانتشار السلاح في دارفور وعدد من الولايات.
كما ان الخبير الاستراتيجي الامني اللواء عبد الهادي عبد الباسط قال لـ (الإنتباهة) انه لا توجد دولة في الدنيا يمكن ان تكون بدون اجهزة مخابرات، بل ان عدداً من الدول تمتلك عدداً من اجهزة المخابرات، ووصف من يطالب بحل جهاز المخابرات بأنه ليس لديه وعي وطني استراتيجي او سياسي امني، وعليه فإن مثل هذه المطالبات تأتي من احزاب ليس لديها عمق في الواقع السوداني، واعتبر ان غالبيتها صنيعة استخباراتية وامتداد لدول خارجية، وتريد ان تكون البلاد مباحة لتحقيق اجندة غريبة على البلاد, وأضاف أنه لا بد من الاعتبار بالتجربة التي أعقبت سقوط الرئيس الاسبق جعفر نميري التي طالبت بحل جهاز الامن، وكان يقودها سفير دولة معادية للسودان في ذلك الوقت. وفي ما يخص احالة عدد من الضباط في جهاز الامن برتبة فريق الى التقاعد والحديث عن ان ذلك يعتبر بداية هيكلة للجهاز وان كان ذلك مؤشراً للحل او خطوة اولى نحوه، قال عبد الباسط ان الحديث عن الهيكلة عمل داخلي يعتمد على من يأتي لادارة المؤسسة، واضاف ان الاحالات للتقاعد ليست لديها اية علاقة بالحل، وانها عمل روتيني يحدث لكل من ظل في رتبة مدة ثلاث سنوات، فإما ان يرقى أو يُحال للتقاعد.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version