الساعات القادمة حُبلى بالكثير من الأحداث التي قد لا تكون محمودة العواقب، في ظل مُحاولات ابتزاز المجلس العسكري الانتقالي من قِبل قوى الحُرية والتّغيير وتجمُّع المهنيين الذي قلب ظهر المجن للمجلس وللقوات المسلحة، التي صنعت التّغيير، وحَمَت الحراك الشعبي وحَقَنَت الدماء، وقد ازدحمت الخرطوم أمس بالتحرُّكات والاتّصالات السِّياسيَّة الرفيعة، خاصّةً زيارة واجتماعات رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السيد موسى فكي، الذي يسعى جاهداً للتّعرُّف على الأوضاع والعَمل على تهدئة الأمور منعاً لانزلاقها نحو المجهول .
ليس هناك منطقة وسطى حتى الآن، ويبدو أنّ معركة كسر العظم قد بدأت بين التيارات اليسارية والمجلس العسكري الانتقالي، بعد أن كشفت هذه الأحزاب وواجهاتها عن شهوتها السُّلطوية وطمعها في السُّلطة العاجلة بمُبرِّرات واهية لا تستند إلى منطقٍ سليمٍ أو قانون أو دستورٍ، يبدو أنّ هذه الأحزاب تُريد جَرّ البلاد إلى أتون الخلاف المُدمِّر، خَاصّةً أنّ عملية سلب المجلس العسكري سُلطته وتجريده من صفته ووضعيته السِّيادية سيزلق الأوضاع جميعاً إلى ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات، والأخطر من ذلك هو حالة الاستقطاب السياسي الحادة التي تعيشها، وقد ظهرت دعوات مُناوئة للقوى السياسية والأحزاب التي تعتصم في الشارع، وقد أعلنت أحزاب وقوى اجتماعية وسياسية رفضها لما تُطالب به الأحزاب اليسارية ودُعاة العلمانية، وما أعلنته تنظيمات الحُرية والتّغيير وتجمُّع المهنيين، وهذه ستكون معركة سياسية طاحنة جداً قد تتحوّل إلى مُواجهاتٍ داميةٍ، ففُرص النجاة من هذا الوضع الكارثي الذي تتشكّل سُحُبه الداكنة في سماء بلادنا تبدو ضئيلة، وهي واقعة بلا محالة إن لم يتحل الجميع بالحكمة والمرونة السياسية المطلوبة.
مَن الذي سيتحمّل الفاتورة الباهظة والمسؤولية عن ما سيحدث لا قدّر الله؟ هل هو المجلس العسكري الانتقالي الذي يتعامل بمُرونةٍ فائقةٍ ويُحاول الخروج من الأزمة الراهنة دُون أن تتّسع رقعة الخلافات، أم هو الطرف الآخر الذي يُعبِّر عن الاعتصام ويُحاول فرض إرادته على المجلس العسكري والقوى السياسية الأُخرى وممارسة أبشع أنواع الإقصاء والتّهميش التي لا يُمكن أن تتم إذا أراد الناس وطناً واحداً ومتّحداً وسلاماً اجتماعياً وبيئة سياسية مُعافاة .
إذا كانت القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى هي صمام الأمان للبلاد ومانعة انهيارها وضياعها، وقد لجأ إليها المُحتجون والمُعتصمون، واختارت هي حماية الجميع وحفظ الأمن وتهيئة المناخ لمُمارسةٍ سياسيّةٍ حُرّة خلال الفترة الانتقالية حتى الانتخابات المُقبلة، وعندها يختار الشعب السُّوداني مَن يحكمه .
هناك أشياءٌ تجرى في الكواليس وفِي الخفاء وبعضها في العلن، تحتاج إلى رؤية سياسية صائبة تتجاوز الخلافات وتُؤمن بالخيار الديمقراطي، فحالة التّحشيد والشحن الزائد التي تعيشها كل الأطراف ستقود حَتماً إلى مُواجهاتٍ للأسف ستبدأ بغياب العقل واللهاث خلف العاطفة الجيّاشة التي صنعتها الأحداث الرَّاهنة، فهل هُناك بصيص أملٍ يلُوح في الأُفق أم تكبر كرة النار لتلتهم الوطن وبكل ما فيه… نرى ضرام النار والحرب أولها كلام ..
الصادق الرزيقي
الصيحة