قد لا يختلف اثنان على أن الأوضاع بالبلاد لن تسير إلى الاتجاه الصحيح، وستتعقّد الأوضاع أكثر إذا واصلت الأحزاب اليسارية وداعمو الاعتصام التعامُل بمنطق معوج والتعامُل مع الحقائق الموضوعية بهذا التعجّل وعدم الحصافة السياسية، ومحاولة الضغط على المجلس العسكري الذي أكد منذ اليوم الأول أنه لن يتدخل في تكوين الحكومة المدنية التي ستُدير الفترة الانتقالية، ولَم يكن أحد يتصوّر أن شهوة السلطة لدى جماعة الحرية والتغيير تصل إلى درجة المطالبة بتكوين مجلس سيادي ليست لديه أية مرجعية لا دستورية ولا قانونية، فالوضع القائم الآن أن الدولة لم تنهار تماماً إنما حدث تغيير قادته القوات المسلحة بإزاحة النظام السابق وعزل رئيسه، ولَم تُلغَ مؤسسات الدولة القائمة ووزاراتها سوى أن سيادة الدولة يُمثّلها المجلس العسكري الذي آلت إليه في غياب الجهازين التنفيذي والتشريعي سلطاتهما إلى حين .
معروف في مثل هذه الحالات أن يكون المجلس العسكري وهو المسؤول عن حفظ الأمن في البلاد وتحقيق الاستقرار أن يُحافظ على وضعه السيادي، ويتم الاتفاق مع مُكوّنات عملية التغيير أو الشق المدني والقوى السياسية الاتفاق على حكومة مدنية قوامها شخصيات ذات استقلال وكفاءة لتُدير الفترة الانتقالية وتُنظّم عملية الانتخابات، وعندها يحق للجمعية التأسيسية التي تنشأ من الشرعية الانتخابية والتفويض الشعبي وضع الدستور وإقراره وإحداث التغيير المطلوب في هياكل الدولة ومؤسساتها وقوانينها، وأهمية التفويض الشعبي الانتخابي. إن الوسيلة الأوفق في المجتمعات تتم من خلال التراضي والتبادُل السلمي للسلطة، وحسن إدارة الشأن العام وتحقيق التطلّعات الاجتماعية والسياسية .
ما يحدث اليوم سيقود حتماً إلى فوضى عارمة ولا يسنده أي منطق سليم، لأنه سيقود إلى حالة من الشد والجذب بين المجلس العسكري والقوى السياسية الرافضة له ولمهامه، ولولا انحياز القوات النظامية وحقنها للدماء ما كان للتغيير أن يتم، ولا ذهب النظام السابق، فالعقل يقول إن أية ترتيبات للحكم المدني لا تتجاوز الحدود التي تم التعارُف عليها والإعلان عنها في بيان المجلس العسكري، فمد مظلة المطالب حول المجلس السيادي، ثم اقتراح ميدان الاعتصام لجهاز تشريعي، أو أية ترتيبات أخرى ستخلق نزاعاً داخلياً ليس مطلوباً الآن، ولا تحتمله الأوضاع الهشة في البلاد، وليس من حق أي جهة الادعاء بأنها تحتكر التفويض الشعبي وتمثّل الشعب، فهذا النوع من الجدال عواقبه وخيمة في حال حدوث اختلاف، وقد شاهدنا وتابعنا قبل أيّام قليلة حجم الاختلافات بين مكونات الاعتصام نفسها من أحزاب وتجمّعات عقب اللقاء مع المجلس العسكري، ستزيد الفجوة اتساعاً إذا لم تُدَر المرحلة الراهنة بالحكمة والتنازلات المُتبادَلة، أما لماذا ندعو لعدم التنازُع مع المجلس العسكري في مُهمته ووظيفته السيادية، فالسبب بسيط ومنطقي أن الإجماع لن يكون على أي مؤسسة حزبية أو شعبية أو مدنية، الإجماع لدى السودانيين فقط على المؤسسة العسكرية التي تُمثّل قومية البلاد وحامي حماها، وقد لعبت دورها المنوط بها في حماية الحراك الشعبي والانحياز إليه، وليست هناك جهة تحمل هذه الصفة بهذا الشمول غيرها .
لنتصوّر أي سيناريو آخر، فإذا ما حدث التنازُع والخلاف ورفع المجلس العسكري يده وأبعدت القوات المسلحة وبقية القوات النظامية الأخرى نفسها عن المشهد كله فهل ستستقيم الأمور، وهل ستستقر الأوضاع وينتظم الأمن، إن البلاد ستنهار بالكامل ويأكل القوي الضعيف ..
الصادق الرزيقى
الصيحة