لا زال الفساد ومكافحته يتسنم مطالب الثورة سواء من قوى الحرية والتغيير أو من تجمع المهنيين قائد الحراك الشعبي، حيث تمسكوا جميعاً بمحاكمة المفسدين محاكمات عاجلة وعادلة تشفي غليل المواطن، الذي ظل يعاني أبان فترة النظام السابق من إسقاطات الفساد، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الظلم الاجتماعي، من رموزه بصفة خاصة، الذين وصفوا بالمفسدين حتى ارتبط وصف الفساد بذات النظام، كل ذلك يضع المجلس العسكري باعتباره الحاكم الآن أمام الامتحان الأصعب، لأن اجتيازه يعني استمراريته في الحكم.
نهب مصلح
وبعد أن تعالت أصوات المعتصمين أمام القيادة العامة بمحاكمة الفاسدين من حكومة الإنقاذ، وعد المجلس العسكري باجتثاث رموز ذلك النظام، واعتقالهم ومحاسبتهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، إلى جانب استرداد الأموال المسروقة، وهذا ما أمنت عليه الأحزاب والقوى السياسية المساندة للثورة خلال اجتماعهم برئيس المجلس العسكري الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وطالب رئيس حزب المؤتمر السوداني وعضو قوى التغيير بالقصاص والمحاكمة العادلة لجميع المتورطين في الفساد وسفك الدماء، ولكن يبقى السؤال المهم، ماهي الآليات التي يجب اتباعها للمضي في طريق القضاء عليه، ويقول القانوني والسياسي أبو بكر عبد الرازق إن ذلك لن يتحقق إلا عبر حوكمة نظام الدولة بالقوانين والنظم مع الالتزام بتطبيقها، وأكد أن ذلك لا يتأتى إلا بتعيين موظفين ليس لديهم أي انتماءات سياسية معروف عنهم النزاهة والطهارة، إلى جانب مقدرتهم على تطبيق القوانين، وأضاف أن النظام السابق مكن للفساد عبر ما اسماه بالنهب المصلح الذي كان يمارس بالقوانين واللوائح، ونهب آخر أطلق عليه النهب وراء الأكمة والمتمثل في العمولات، الرجل نبه إلى عدم قذق الاتهامات، أو أخذ البعض بجريرة غيرهم، وأكد على أن المحاكمات لابد أن تتم بإثباتات تفتح بمقتضاها بلاغات، وناشد الحكومة الحالية بإغلاق الأبواب أمام الفساد، وقطع الماء والهواء عنه بحسب تعبيره.
مفوضية جديدة
النظام السابق تحدث كثيراً عن مكافحة الفساد، وأنشأ مفوضية خاصة لذلك، كما أنشأ جهاز الأمن والمخابرات الوطني وحدة أطلق عليها وحدة تحقيقات ومكافحة الفساد إلا أن كل ذلك لم يجد تنفيذاً حقيقياً على أرض الواقع، بل اختصر الأمر برمته في محاكمة بعض المصارف و ملاحقة مضاربين بالدولار، وحتى الرئيس المعزول بملاحقة من أسماهم بالقطط السمان لم يطل سوى شخصيات مغمورة أمام محكمة جرائم ومحاكمة الفساد، التي شهدت عدداً من القضايا المتعلقة بالأمر، لكنها لا ترقى بحجم الفساد المتفشي لأكثر من 30 عاماً، ولم تحاكم حتى اللحظة شخصيات كبيرة تحوم حولها شبهات الفساد، ما دفع رئيس حزب الأمة القومي بالإنابة الفريق فضل الله برمة إلى مطالبة المجلس العسكري بالإسراع في إنشاء مفوضية جديدة لمكافحة الفساد بقانون جديد، تتخصص في متابعة قضايا الفساد بشتى أوجهه المالي و السياسي والإداري وفساد الأراضي، إلى جانب محاسبة من كانوا وراء الانتهاكات، على أن يكون ذلك خلال فترة زمنية محددة، بحيث تكون آلية ذات تقارير يومية بهذا الخصوص، وشدد الفريق على محاسبة الجميع حتى وإن كان من المعارضة متورطاً في قضايا فساد، وقال: لا مجاملة في ذلك و لا نستثني أحداً، مطالباً المجلس العسكري الشروع في ذلك فوراً، معتبراً أنه آن الأوان لإقامة دولة القانون.
توفير العملات الأجنبية
خرج القيادي بحزب الأمة ووزير الاستثمار الأسبق مبارك الفاضل عن صمته وأخرج ما في جعبته من خبايا، و كشف الرجل عن حجز 6 مليار دولار تتبع للحكومة السابقة بالإمارات، وأفصح عن استيلاء أشقاء الرئيس المعزول على قرض بقيمة (900) مليون يورو، وبغض النظر عن صحة ما أدلى به الفاضل أو أغراضه من فضح هكذا أمور في هذا التوقيت تحديداً، يطل سؤال منطقي برأسه فحواه، ماهو المشهد الاقتصادي المتوقع حال تم استرداد الأموال المسروقة والمهربة إلى خزينة الدولة؟، وهنا يؤكد الخبير الاقتصادي محمد الناير أن استرداد أي أموال عبر مكافحة الفساد تعني دخولها إلى خزينة الدولة سواء أكانت بالعملة المحلية أو الأجنبية، فضلاً عن الأصول والعقارات، الأمر الذي يصب في مصلحة اقتصاد البلاد، خاصة في الأوضاع الحالية، وقال إن تفشي الفساد كفيل بتدمير اقتصاد أي دولة، وشدد في الوقت نفسه على ضرورة إعمال اللوائح والقوانين وتشديد الرقابة، وذلك حتى لا يتجرأ أحد على ممارسة الفساد في المستقبل، باعتبار أن المكافحة دون الرقابة لن تجتث الفساد وتقضي عليه.
الناير لم يكتف بذلك، بل نصح بإعلاء المصلحة العامة، وقال في حال تعارضت المصلحة الشخصية أو القبلية أو الحزبية مع المصلحة العامة فعلى الدنيا السلام.
تقرير:أسماء سليمان
الخرطوم (صجيفة آخر لحظة)