على وقع هتافات الثوار وحناجرهم الغاضبة رقص السودانيون رقصتهم وقالوا كلمتهم للمشير عمر البشير «تسقط بس»، ليعلن الجيش السوداني قبل 3 أيام عزل الرئيس واعتقاله في مكان آمن بعد مكوثه على رأس السلطة 30 عامًا متتالية، فضلًا عن فرض حال الطوارئ وإسناد إدارة البلاد إلى مجلس عسكري انتقالي.
المرأة شاركت بكثافة في الاحتجاجات ضد البشير، واستطاعت الثائرة آلاء صلاح، 22 عامًا، أن تكون «أيقونة الثورة» بعد إطلالتها الشجاعة وسط حشد من المتظاهرين في أحد ميادين الخرطوم، إذ اعتلت سقف سيارة هاتفة: «الدين يقول الزول، إن شاف غلط منكر، ما ينكتم يسكت، وأنا بالسكوت ميت».
أيقونة الثورة السودانية تدرس في كلية الهندسة بجامعة السودان العالمية، وتقول لقناة «الميادين» إنها لم تكن تتوقع أن تلقب بـ«أيقونة الثورة»، بعد أن لاقت هتافاتها هذا الانتشار الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي وترديدها الدائم لجملة «محبوبتي كنداكة»، خاصة أنها خاضت التظاهرات منذ انطلاقها حتى رحيل البشير.
سماح بشري، ناشطة في مجال حقوق الإنسان، شرحت في مدونة «BBC» معنى كلمة «كنداكة» في الثقافة السودانية، وتعني «الملكة العظيمة»، وأعاد بعض المؤرخين أصل الكلمة إلى «كانديس» في الرومانية، بينما أرجعها آخرون إلى كلمة «كدي كي» في لغة مملكة مروي السودانية في السودان الشمالي القديم.
تقول «بشري» إن المرأة السودانية شكلت نواة أساسية في صناعة وجودها وتقدم مسيرتها منذ قرون ما قبل التاريخ، من أمانجي ريناس التي حكمت مملكة كوش من عام 40 ق.م إلى 10 ق.م، إلى مهيرة بنت عبود ورابحة الكنانية وغيرهنّ ممن أسهمن في العمل العسكري والسياسي إبان الثورة المهدية عام 1885.
أضافت أن مشاركة النساء في صنع التغيير في السودان وخاصة مشاركتهن في الثورات تعد عنصرًا رئيسيًا في تاريخ البلاد منذ 1825 إلى 1885، وهي سنوات ثورة المهدي ضد الحكم التركي في السودان، لافتة إلى أن الشاعرة مهيرة بنت عبود شجعت بقصائدها زعماء القبائل للوقوف ضد الجيش التركي ومحاربته.
«بشري» مضت قائلة: «خلال الاستعمار الإنجليزي للسودان (1898 – 1956) في غرب السودان وتحديدًا في جبال النوبة، حملت ماندي أجبنا رأس أبيها، وهو ملك أُعدم من قبل الجيش الاستعماري، لأيام خلال جبال النوبة لكي تقنع 17 ملكا لتوحيد قواهم ومحاربة الإنجليز من أجل حماية أراضيهم وتحرير شعوبهم».
من جهته، قال الكاتب والصحفي السوداني عزمي عبدالرزق إن الثوب الأبيض يعد الزي الرسمي للنساء العاملات في السودان، وهو أيضًل زي الحداد الرسمي للنساء في كثير من مناطق السودان، خاصة النساء اللاتي فقدن أزواجهن، لكنه استخدم ضمن الاحتجاجات لـ«توحيد جهود النساء السودانيات من أجل التغيير».
الناشطة السودانية هالة فقير قالت للإذاعة الألمانية «DW عربية»: «الحراك الأخير قلب الكثير من الموازين، واعتدنا أن المشاركين في أي تظاهرات أو نشاط سياسي في العادة هم أسماء ووجوه معروفة، ولكن منذ ديسمبر الماضي تشهد السودان حراكا واسعا ضد النظام الحاكم بمشاركة فئات مختلفة بمن فيهم النساء».
المخرج أسعد طه كتب عبر حسابه الرسمي على موقع «تويتر»: «لماذا لا تتولى كنداكة الرئاسة؟»، بينما كتب مستخدم آخر: «من أحرار سوريا إلى الشعب السوداني الحر استمروا لا تسمحوا بأن ينتجوا رأس لنظام البشير ذاته بتغيير الواجهة فقط، أعيدوا هيكلة الرأس وجسد الدولة، تحيا كنداكة السودان آلاء صالح».
الكاتبة السودانية منى عبدالفتاح تقول إن «وعي المرأة السودانية السياسي بدأ مبكرًا، حيث شاركت في البرلمان، وإن السيدة فاطمة أحمد إبراهيم كانت أول امرأة تشارك في الحياة النيابية عام 1964 بعد ثورة أكتوبر التي أطاحت حكم الفريق إبراهيم عبود، وكانت هناك وزيرات في السبعينات، وظهرت أول قاضية عام 1969».
تضيف في مقالها المنشور في صحيفة «العرب» بعنوان «المرأة السودانية صدى الكنداكات»: «المرأة السودانية كسرت قيود الأمية والجهل والخرافة والعادات والتقاليد البالية منذ أكثر من نصف قرن، ووصلت إلى غاياتها في شتى المجالات وتدرجت في ارتقاء الوظائف العامة والقيادية في كل مجالات العمل وأثبتت جدارتها».
تابعت: «رغم عدالة الدساتير والقوانين في نصوصها الأصلية إلّا أنّ حكومة الإنقاذ قامت بتعديلات عليها لتكريس إقصاء المرأة عن منصبها، وبهذا فقد ظهرت هذه الحقبة التي خفت فيها صوت المرأة السودانية وتراجعت ريادتها ودورها وكثرت معاناتها خلال سنوات حكم الإنقاذ في الربع الأخير من القرن العشرين».
في التاريخ الحديث، كانت النساء على الخطوط الأمامية يطالبن بالاستقلال عن الحكم البريطاني، وبعد الاستقلال عملت النساء من أجل التغيير الاجتماعي وبدأن النضال من أجل حقوقهن، وعلى سبيل المثال، قادت فاطمة أحمد إبراهيم رئيسة الاتحاد النسائي السوداني المظاهرات ضد النظام العسكري لإبراهيم عبود عام 1964.
كانت فاطمة والاتحاد من الأسباب الرئيسية وراء نجاح ثورة السودان الأولى كدولة مستقلة، فيما حشد الاتحاد النسائي السوداني النساء وحوّلهن إلى قوة ضاغطة تشعل الاحتجاجات وتنزل الشوارع في أعداد هائلة، وكنتيجة لذلك كسبن معظم حقوقهن.
اندلعت ثورة ضد نظام جعفر نميري العسكري أبريل 1985، وكانت النساء قد اكتسبت مزيد من الحقوق حينها، وعملن وزيرات ومحاميات وطبيبات ومعلمات. أثناء الثورة الثانية، كانت مشاركة النساء في الأحزاب السياسية ملحوظة، وكن عضوات نشيطات في النقابات المهنية واتحادات العمال التي قادت الاحتجاجات حينها.
المصري اليوم