لم ينتبني الخوف على هذه البلاد وعلى عاصمتها تحديداً إلا بعد أن تحققت من صحة خبر (ضبطيات) السلاح السبع التي كانت في طريقها إلى الخرطوم إبان اشتعال الشارع بالتظاهرات، وكان أكثر ما أقنعني بأن بلادنا تتقلب في برميل من البارود، إفادات ذلك المتهم التي سمعتها ورأيتها بعيني رأسي، سيما حديثه عما يضمره لورد الحرب عبد الواحد محمد نور وغيره من الحاقدين والعنصريين.
> قبل أن أحكي عن تلك الضبطيات المخيفة، دعونا نقر بأننا نعيش في أزمة خانقة حرمت الناس من أموالهم المودعة لدى البنوك، وهو ما لم يحدث منذ الاستقلال، بل ربما لم يتكرر في العالم أجمع، وأكثر ما يؤرق المواطنين عجز السلطات عن تطمينهم بأن المشكلة في طريقها إلى الحل، فقد فشلت كل وعود معالجة الأزمة مع تصاعد في سعر الصرف لم يسبق له مثيل.. أقول ذلك بالرغم من محاولات رئيس الوزراء إيلا والذي لا أنكر جهوده وسعيه الذي أرجو أن يتواصل ليصل إلى مكامن الداء الحقيقية.
> علاوة على ذلك فإن ندرة السلع الاستراتيجية والغلاء الفاحش يملأ الناس بالإحباط ويخيفهم مما يحمله المستقبل من احتمالات مرعبة تستدعي رفع الناس أكفهم بالدعاء أن يرحم الله هذه البلاد من أن تنزلق في أتون الفوضى التي نرى نذرها في محيطنا الإقليمي المضطرب.
> من جانب آخر فإن هناك خطر أكبر يتمثل في الشامتين الذين يعملون ليل نهار في سبيل تأزيم الأوضاع بصورة أكبر، سعياً لتحقيق شعارهم الخطير: (تسقط بس) حتى لو كان البديل هو الشيطان الرجيم.
> أذكر لكم مثالاً واحداً لأولئك المنتظرين على أحر من الجمر لحظة انفجار الأوضاع ونجاح الحراك الشعبي في إسقاط نظام الحكم لكي يحيلوا بلادنا إلى حطام من خلال إيقاظ الخلايا النائمة واستخدام السلاح الذي تمتلئ به العاصمة.
> إذا كنت قد بدأت مقالي بالحديث عن سبع (ضبطيات) للسلاح المهرب إلى الخرطوم فإني سأحكي لكم عن واحدة من تلك الضبطيات.
> تم القبض على تلك الشحنة من الأسلحة في نقطة تفتيش منطقة دار السلام غرب أمبدة عبر شاحنة هينو تشير لوحتها إلى (ش. د) ــ أي شمال دارفور ــ وكانت تحمل شحنة كركدي معبأة داخل جوالات خيش، وقاد الشك في أوراق الشحنة إلى اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة تكفي لتسليح (700) فرد، وكان من بينها كلاشنكوف ومدافع دوشكا وقرانوف ومدفع مضاد للطائرات (دي 10) و (60) مسدساً لا تستخدم في الحرب وإنما في عمليات اغتيال الشخصيات المهمة مع كميات كبيرة من الذخيرة.
> ما أدلى به المتهم المرافق لسائق الشاحنة يجعل الولدان شيباً، فقد قال مما سمعته بأذني إنه كان ومعه ثلة من المرتزقة التابعين لعبد الواحد يقاتلون في ليبيا في صفوف الليبي الأمريكي حفتر، ثم هرب إلى السودان جراء خلاف مع قيادات حفتر التي كانت تطاردهم، وانضم إلى قوات عبد الواحد في ما سماها بـ (المناطق المحررة) بجبل مرة، حيث كلف من قبل القائد (قدورة) باصطحاب شحنة الأسلحة التي نحن بصددها إلى الخرطوم، مضيفاً أن تلك الشحنة ليست الأولى بل سبقتها أخريات لا يدري عنها شيئاً، وأن كل ذلك السلاح يعد لاستخدامه في ساعة الصفر، سيما أن عبد الواحد كان قد صرح بأنهم سيلجأون لوسائل أخرى لإسقاط النظام إذا فشلت التظاهرات في تحقيق ذلك.
> كما ذكرنا فإن تلك الشحنة هي واحدة من سبع قبضت في أوقات متقاربة خلال فترة التظاهرات، ولا أظن أن ذاكرة المواطنين نسيت أن السلاح ظل يهرب منذ عشرات السنين، خاصة خلال الفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وقبلها وبعدها، كما لا أظن أن الناس يجهلون أن ما يقبض عليه من سلاح يعتبر شيئاً ضئيلاً بالمقارنة مع ما يدخل ويحفظ لدى المتآمرين، وهناك أساليب متعددة لعمليات التهريب من بينها الرشوة والخداع وغير ذلك.
> ضيق المساحة يضطرني إلى التوقف، ولكني أحذر من ينظرون تحت أقدامهم، وأطلب منهم أن يتقوا الله في وطنهم، وليتذكروا مقولة الصحابي الجليل عمرو بن العاص: (ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الشرين).
> اللهم جنب بلادنا شرور أولئك الحاقدين، وارحم بلادنا وارزقها وأنت خير الرازقين.
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة