أبو فانوس !!

والفانوس معروف طبعاً..
> ولكن حين نضيف إليه أباً يغدو غير معروف لغالب الناس ؛ لا هو… ولا أبوه..
> وأكثر الذين يعرفونه، أهل شمالنا الأدنى… والأقصى..

> سيما الذي كانوا يجوبون أنحاءه – سفراً – قبل تعبيد طرق باصاته… ولواريه..
> فهو ضوء خافت يظهر في – أو من – جوف الظلام..
> فيضل سائقي العربات – قليلي الخبرة – إذ يظنونه دلالةً على محطة في الطريق..
> والطريق ليلاً – آنذاك – لا معالم له… ولا حدود..
> بل الصحراء كلها تبدو كذلك… تماماً كبحار – ومحيطات – لا متناهية ؛ للناظر..
> وجنوب دنقلا قرية اسمها بغدادي… أو البغدادي… أو البغدادية..
> ويُقسم السائقون – وكثير من المسافرين – أنها تبدو لهم مأهولةً ليلاً… ومضيئة..

> وأضواؤها كأضواء فوانيس… تتحرك من مكان إلى آخر..
> رغم إنها مهجورة منذ أمد بعيد…ولا أحد يعرف سبب هجر سكانها لها ؛ فجأة..
> ونقول فجأة لأن كل شيء باقٍ كما هو… إلى يومنا هذا..
> أو إلى يوم قريب كان الناس يجزمون فيه بذلك… حتى الجامع احتفظ بكل محتوياته..
> ثم الفُرش… والأثاث… وبقايا الملابس والنعال وحطب النار..
> ما الذي حدث لهم؟…..لا أحد يدري ؛ فقط تركوا قريتهم – بما فيها – فجأة..
> أو من يزعم أنه يدري ينسب الأمر إلى آباء الفوانيس..
> فهم أقدم سكنى في القرية – يقولون – وأنذروا المقيمين الجدد كثيراً… ليرحلوا..
> فلما لم يستجيبوا فرضوا عليهم رحيلاً جماعياً مفاجئاً..
> أو يمكننا أن نقول : رحيلاً فجائياً مفزعاً… لم يُمكِّنهم حتى من أخذ حاجياتهم..
> وبعيداً عن الخرافة هذه فلا وجود لأبي فانوس..
> ولا لخرافات مثلها عديدة تتخذ من عقول كثير من الناس قرى…ومدناً…و أمصاراً..
> فهنالك تفسير منطقي – قطعاً – لهذه الظاهرة..
> تماماً كما هناك تفسير علمي لظاهرة السراب مثلاً…الذي يحسبه الظمآن ماء..
> والعقل حين يكون ظامئاً يحسب الخرافة حقيقةً أيضاً..
> وظمأ العقل الافتقار إلى المنطق….إلى العلم….إلى المعرفة….إلى الحقائق..
> قد يفتقر إلى كل أولئك وإن كان صاحبه ذا شهادات عليا..
> والبارحة يشتكي إلي – وإلى الله المشتكى – قارئ مثقف قال إنه ضل الطريق..
> هو الذي يصف نفسه بأنه مثقف…ورغم ذلك ضل..
> وسألني إن كنت أعرف أبا فانوس…فقلت : أعرفه كما أعرف الغول والعنقاء..
> فمضى قائلاً : لقد تبعت واحداً سياسياً… سنين عددا..
> وكلما ظننتني اقتربت منه – ومن ضوئه الذي يبدو جاذباً للتائهين – ابتعد عني..
> ثم تيقنت الآن ألا فرق بينه وبين أبي فانوس الصحارى..
> فلما حكيت له حكاية قرية البغدادي المهجورة – ذات الفوانيس – ضحك عميقاً..
> لقد صار هو – وحزبه – مثل هذه القرية… بالنسبة لي..
> فهي قرية مسكونة ؛ ولكن ليس بآباء الفوانيس كبغدادي… وإنما آباء المتاعيس..
> والحمد لله أن هجرت بعقلي منها الآن..
> ولن أتبع منذ اليوم فصاعداً – يقول – إلا فانوس الهدى الحق ؛ ديناً…و دنيا..
> الذي لا أب – شيطانياً – له..
> ولا حتى روحياً !!.

صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version