بدأت الحكاية بغياب (أ ع م) عن منزل اسرتها بأم درمان الثورة الحارة الأولي و هي من الناشطات في المظاهرات التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم و في المقابل نشطت أسرتها في البحث عنها و إبتداءا راجعت مكتب الإستعلامات بجهاز الأمن و المخابرات بشارع المطار بحكم نشاط الفتاة الجميلة و توجهاتها اليسارية الصارخة و لكن أسرتها تفاجأت بعدم وجود إسمها ضمن قائمة المعتقلات لدي الجهاز و لم تثق في الإفادة التي قدمها المكتب و إعتبرت ذلك مراوغة من الأمنجية و لكن ذلك لم يمنعها من البحث عنها في أقسام الشرطة و المشارح بكل من أم درمان و الخرطوم و بحري و المستشفيات المتخصصة و التي بها مشارح مؤقتة .. أسرة الفتاة مع تزايد قلقها علي إبنتها بدأت توسع من دائرة البحث و كذلك من الضغط علي جهاز الأمن عبر المعارف و الأهل .. جهاز الأمن يتمسك بإفادته الأولي و هي أن الناشطة (أ ع م) ليست معتقلة لديه مما فتح بابا من التأويل و التوقعات السيئة حيال مصير الفتاة اليسارية الجميلة .. التوقعات تجاوزت الإخفاء القسري الي التصفية الجسدية لاسيما و أن حملات مستعرة ظلت تلاحق الجهاز و ترميه بكافة أنواع الإنتهاكات دون أن يكون لذلك سقف أو مسؤولية أخلاقية أو قانونية و هذه الحملات ساهمت بشكل كبير في تشويه صورة الجهاز و لكن في المقابل ينفي الجهاز كل تلك التهم و يستند إلي افادات أدلي بها معتقلون شاركوا في الإحتجاجات الأخيرة .. بعد إطلاق سراحهم كانوا قد تحدثوا عن المعاملة الحسنة التي وجدوها معتقلات الجهاز و أنها منافية تماما لما كانوا يسمعونه من أحاديث كثيرة .. عموما رحلة البحث عن الفتاة تتسع و تستعر دون أن تترك أسرة الفتاة وجهة أو شخصية يمكن أن تساعدهم في العثور علي إبنتهم و كذلك شملت رحلة البحث الإتصال بسفارتين غربيتين هما السفارة البريطانية و السفارة الأمريكية لتمارسا ضغطا علي الخارجية السودانية لعل ذلك يساعد في الوصول الي الإبنة المختفية أو حقيقة إختفائها .. جهاز الأمن يستجيب للضغط و يتفاعل مع القضية بشكل جدي بعد توجيهات صارمة من رئاسته للدائرة السياسية التي مقرها بالقرب من موقف شندي بالخرطوم بحري .. يدخل الجهاز مع أسرة الفتاة في رحلة البحث عن الفتاة .. الأسرة تتعاون مع الجهاز و تحديدا مع الفريق الذي تم تكليفه بالمهمة العسيرة .. كل المطلوب من اسرة الفتاة هو معلومات مبسطة عن الفتاة تشمل الأصدقاء و الصديقات و أقرب المعارف الذين لديهم تواصل و مشتركات مع الفتاة المفقودة بجانب صورة بوستال إن كانت متوفرة و من ثم بدأت رحلة البحث و هذه المرة عن طريق فريق محترف و ليست عن طريق محاولات بسيطة يقوم الأهل و المعارف .. فريق البحث يرسم خطة البحث باحترافية الدورات التي تلقاها في كل من واشنطون و موسكو و باريس بجانب التجربة التراكمية في البحث عن مختفين و أبرز القضايا التي أنجزها هذا الفريق قضية شهيرة لناشطة ثبت أنها لم تكن معتقلة .. عموما بدأ فريق البحث عمله وفق خطة أجازتها رئاسة الجهاز و هي خطة غريبة الأطوار و التكتيكات و ربما يراها البعض أنها خطة ساذجة و لكنها المخابرات تعرف كيف تفكر بطريقة مختلفة و تتقدم شرقا و هي تقصد نقطة تقع في أقصي الغرب .. فريق البحث لم يراجع أسرة الفتاة المختفية طيلة إسبوع كامل إلا مرة واحدة و هو يستفسر عن مشروب معين كانت الفتاة تستهلكه بكميات كبيرة و بالذات عندما تنفرد في غرفتها بمنزل أسرتها ليلا .. الأسرة يدهشها ذلك و لسان حالها يستفسر عن علاقة ذلك بإختفاء إبنتهم و لكن الإستفسار طمئنها أن فريق الجهاز يتعقب إبنتهم بشكل صحيح و لكنهم في ذات الوقت يخافون المفاجآت غير السارة .. فريق الجهاز يهتم بشخصية الفتاة المختفية بكل تفاصيلها و يركز أكثر علي ممارساتها و هواياتها و جرأتها في علاقاتها المتعددة بعد من الشباب جميعهم يضمهم تيار واحد .. الفتاة بجانب إلتزامها التنظيمي كانت تدير شبكة علاقاتها الخاصة باحترافية عالية دون أن يسرق أحدهم حقيقة تشبيكها الدقيق لعلاقات حارة و ساخنة كانت تلجأ إليها كلما ركنت الي شهوتها و رغبتها الزايدة في رجل يلهب جسدها و يسكت صخبه و يرحل به بعيدا و هو يدك كل حصونه علي طريقة النضال بالبنات و الفتيات كما يحدث لدي بعض المحتجين في المظاهرات التي شهدتها البلاد مؤخرا .. تعدد علاقات الفتاة داخل الحزب الواحد تعقد الأمور لدي فريق البحث لأن ذلك يتطلب منهم التقدم في ثلاثة إتجاهات متباينة في وقت واحد و فريق البحث يعلم أن لكل من الثلاثة شباب حياته الخاصة و أماكنه التي يتردد عليها و لكن ما يخفف علي فريق العمل أن أحد الشباب الثلاثة معتقل لدي الجهاز و منه حاز الفريق علي معلومات مهمة عن حياة الفتاة و شخصيتها و تجليات النضال العاطفي لديها دون أن تسعفه علاقته الخاصة بها بمعلومة عن شركائه في العلاقة الساخنة التي تجمعه بالفتاة .. فريق البحث يصل الي خيط رفيع بدأ بالمشروب الذي تدمنه الفتاة و هي معلومة مهمة مررت الي فريق المراقبة لعلها تقوده الي مكان وجود الفتاة عند إلتقاط الشاب الذي من المرجح أنه و ليس جهاز الأمن كان يعتقل الفتاة و يخفيها عن أسرتها .. العمل الفني الرفيع يقود الي الشاب و الي المشروب الذي يأتي به من مول التسامح بالطائف يوميا .. فريق المراقبة يتتبع المشروب لثلاثة ايام متتابعات و أسرة الفتاة المختفية حين تؤكد المعلومة يتيقن فريق البحث عن الفتاة أن الخيط الذي أمسكوا به سيقودهم في النهاية و بمساعدة أنشطة أخري الي (معتقل الفتاة) في تلك البناية ذات الشقق المتعددة .. الشاب العشيق يخرج من البناية عند الساعة الخامسة عصرا و ليس برفقته الفتاة .. ينقسم فريق المراقبة الي مجموعتين .. أحدها تتعقب الشاب و الأخري ترابط في مكانها و هي ترصد أي خروج للفتاة المختفية من الشقة التي تتواجد فيها بالداخل حسب ترجيحهم .. الشاب يستغل سيارة أمجاد تنقله بسرعة شديدة الي بري الدرايسة و هناك يشارك في مظاهرات متفرقة و محدودة .. هناك عند البناية ترصد المجموعة الثانية فتاة أخري تعبر الي داخل البناية و هي تحمل حقيبة صغيرة .. التاسعة و النصف ليلا يعود الشاب و معه شاب أخر و من خلفهما المجموعة التي كانت تتعقب الشاب من البناية الي الدرايسة و العكس عند عودته و برفقته شاب .. يزداد يقين فريق المراقبة أن الفتاة المختفية في الداخل و أن الشاب المرافق هو عشيق للفتاة التي قدمت الي البناية قبل أقل من ساعة .. الثانية عشرة ليلا يتسلل أحد عناصر فريق المراقبة الي داخل البناية ليحدد الشقة التي تأوي مجموعة العشاق .. العنصر مدرب علي أنشطة التنصت و تساعده علي ذلك أجهزة و معدات كشف عالية الحساسية بجانب مهارته المميزة في الملاحظة .. يعبر من طابق لأخر و هو يمسح بنظراته الطوابق و يسجل مقاطع فديو و أخري مقاطع صوت و عند وصوله الي الطابق الأخير يشاهد مقاطع الفديو و يستمع لمقاطع الصوت من سماعة كانت برفقته ضمن أجهزته و معداته .. يختار الطابق الثالث من بين الطوابق الستة بأنه الطابق الذي تتواجد فيه الفتاة و عشيقها .. يهبط إليه دون أن يعاود التسجيل و عند وصوله للطابق الثالث يتجه نحو باب الشقة رقم (7) و يبدأ في التسجيل من جديد بجانب جهاز صغير يرسل إشارات يلتقطها عنصر أخر موجود بالخارج مع فريق المراقبة .. علي مدي (40) ثانية تكتمل مهمة العنصر و يسرع مغادرا الطابق بعد أن زرع لاصقا علي باب الشقة .. مجموعة أخري كانت متواجدة بسطح البناية تهبط الي الطابق الثالث لا يعلم عنها العنصر الذي حدد الشقة شيئا .. علي الأرض ينضم العنصر الي فريق المراقبة و هم علي سياراتهم يتأهبون لمغادرة المكان .. يطرق أحد الضباط باب الشقة .. لا أحد يرد .. يزيد من طرق الباب .. بعد عشرة دقائق تفتح فتاة جميلة الباب .. يلتقطها أحد عناصر المجموعة و هو المكلف بالتعرف عليها .. و قبل ان تستفسر يباغتها العنصر بالتحية بأسمها .. عندها يتقدم فريق القبض الي داخل الشقة و يتوقف عند منتصف الهول و يطلب من الفتاة أن تأتي بمن معها من داخل الغرف .. و بالفعل تخرج فتاة و شاب من غرفة مغلقة و تدخل هي غرفة أخري و يأتي من خلفها الشاب الذي شارك في مظاهرات الدرايسة في تلك الليلة .. يتفقد الفريق الغرف و يلتقط المحتويات و يرفع الملاحظات و المفاجأة المزلزلة مجموعة كثيرة من العازل و الحبوب المنشطة و المشروبات بكافة أنواعها من المسكر الي المقوي بجانب ذلك بوسترات تجمع المهنيين و الصور و البيانات المنسوخة و جداول الضرب لتسيير المواكب و المظاهرات .. يتم توثيق كل شيء عدا الفتاتين و الشابين .. في مكتب الإستعلامات نهار اليوم التالي أسرة الفتاة تستمع لرواية ابنتهم أمام عشيقها و عشيقها يحكي من بعدها ذات الرواية .. رواية النضال علي طريقة الشيوعيين …
الأسرة تعتذر للجهاز وسط حالة من الإنهيار لوالد الفتاة و هو يردد .. لا حول و لا قوة إلا بالله .. و هو يغادر دون أن يستفسر عن الإجراءات التي تنتظر إبنته .. تركها و غادر دون أن يأبه بها