أقول لكثير من الزملاء والأصدقاء، إننا نخطيء كثيراً عندما نربط الأرزاق بالمهن أو الحرف، لأنني أؤمن تماماً بأن المهنة أو الحرفة هي رزق في حد ذاتها، وأضرب لهم الأمثال بما يعرفون في معاملاتهم اليومية من خلال مهنة أصبحت كل شيء في حياتهم، هي الصحافة.. وأشير دائماً إلى أن الصحافة رزق، فالصحفي الموفق في دائرة الأخبار «مرزّق»، تأتيه الأخبار من خلفه ومن بين يديه، وتكون حساسية الالتقاط عنده عالية، وكذلك الذين يعملون في مجالات ودوائر أخرى مثل السياسة والرياضة والتحقيقات وغيرها، لأنها تعتمد على سعة الأفق والإدراك أو الإلمام بقضايا تلك الدوائر والمجالات، وقبل ذلك تعتمد على إتساع شبكة العلاقات العامة للصحفي، وهي أساس النجاح في هذا العمل.
بعض كتاب الأعمدة من غير الصحفيين المحترفين، الذين مارسوا العمل الصحفي، من أول الدرج، أيضاً يمكن أن نحسبهم من «المرزّقين»، لإجادتهم قراءة الواقع، من خلال مشاهداتهم أو إطلاعهم على حركة ونشاط المجتمع من خلال ما يعكسه الصحفيون المحترفون، الذين يبذلون الجهد ويزرعون البذرة، فيأتي غيرهم ليلتقط الثمار.
ما علينا.. لكن وصلاً لما بدأناه، نود الإشار إلى أن القراءة والاطلاع والمتابعة، هي واحدة من مقومات النجاح لكل من يريد العمل في مجال الصحافة، والذي يمنحه اللّه قدرة الصبر على متابعة إنتاج المطابع، هو شخص محظوظ، والحظ هنا هو مفردة نستخدمها بديلاً لكلمة «رزق»، وكثيراً ما أقول لمن حولي إن الذي لا يقرأ.. لا يكتب.
وبمناسبة الكتب، أذكر أنني تلقيت في يوم واحد، مجموعة من الكتب بإهداءات مختلفة من مؤلفيها، وعلمتُ كيف سيكون الأمر صعباً إن بدأت قراءتها بترتيب وصولها، لذلك آثرت أن أنتقي ما أميل إليه بداية، ثم أتجول بين بقية الكتب، وفيها دراسات أتوق لأن أحصل على ما فيها من معلومات، مثل كتاب زميلنا العزيز السيد السفير سليمان عبد التواب الموسوم بـ«صناعة السياحة في السودان.. رؤية لاستثمار متجدد»، ومنها ما هو قانوني مثل كتاب صديقنا العزيز الأستاذ سعيد ميرغني حمور، الذي حمل اسم «خواطر وأضواء على مهنة القانون في السودان»، وأحد تلك الكتب يمكن تصنيفه كواحد من كتب السيرة الذاتية، إذ أنه جاء صدى لسيرة اجتماعية ومبادرات سخيّة تلاحقت لعشر سنوات من «2000 ـ 2010م» لأستاذنا وأستاذ الأجيال الدكتور عبد السلام محمد خير، والذي صدر بمسمى «خيراً يره.. سير وبشريات في تزكية الأنفس والثمرات»، ومنها ما هو نقدي يتناول الفكر والثقافة والسياسة، مثل كتاب الأخ الدكتور الوليد آدم مادبو الذي حمل اسم «ثورة الوسط».
وهناك خطاب اعتبره صرخة احتجاجية، وثورة بركان تتفجر من خلاله القضايا من ذلك النوع المسكوت عنه، مثل كتاب الزميل الكاتب الأستاذ عبد الله محمد أحمد الصادق، الذي يتناول قضايا وأحداث امتدت من عام 1947م إلى 2013م، تحت عنوان «مشاهد في الطريق إلى قاع الهاوية».
ومن بين الكتب المهداة إلينا رواية للأديب والقاص الدكتور سليمان أحمد الطيب محمد، حملت اسم «عم والدتي زوما».
وهناك ما يأخذك عنوانه إليه، ويجبرك لتقليب صفحاته جراً، مثل كتاب «المأسونية في السودان.. احكموا عليهم بأعمالهم» للأستاذ والباحث سيد خيري السيد، وفيه أسرار عظيمة وأسماء خطيرة لشخصيات سودانية عُدّت من المأسون.
ومن بين ما رزقنا الله به من علم بين دفتي كتاب، كان عن حالة البنوك التجارية في السودان، وهو دراسة ذات صلة بما درسناه في كلية التجارة بجامعة القاهرة، فرع الخرطوم، حمل اسم «أثر تفاعل مكونات نظم المعلومات الإدارية مع خصائص القيادة العليا في الأداء الإداري»، أعدتها وأهدت إلينا نسخة منها الدكتورة سلمى عمر الخليفة طه محمد أبوالنجا، الحاصلة على دكتوراة الفلسفة في نظم المعلومات الإدارية من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا.
وبالأمس أهداني العمدة الحاج علي صالح كتابه «مذكرات عمدة سابق» في جزئه الثاني، وعليه إهداء لم أحظ بمثله من قبل، إذ جاء فيه: «إلى ابني فلان رائد الصحافة السودانية الحديثة»، وهذا لعمري توصيف مخيف.
وجاء إلى رزق من خارج السودان عبارة عن نسختين من أحدث كتاب «دراسة» صدر للدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، في أبوظبي، الذي حمل اسم «آفاق العصر الأمريكي.. السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد»، وقد جاء في أكثر من ثمانمئة صفحة، وأخذت أقلب في الهدية القيمة، ورأيت أن أهدي إحدى النسختين للزميل «الرفيق» الأستاذ مؤمن الغالي.
أحمد اللّه كثيراً أن جعل لأهل بيتي رفقة حسنة مع الكتب والمطبوعات، وأفردوا لها حيّزاً معتبراً من اهتماماتهم، وخصصوا لها مكاناً حيث نقيم، ولعل السبب في ذلك أن أول آية قرآنية نزلت من السماء إلى الأرض كانت «إقرأ».
اللهم بلغنا بالعلم والإيمان أن نعمل عمل أهل الجنة وأن تكون لنا مقراً ومستقراً، وأغننا بالعلم، وزيّنا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية، ونسألك العلم النافع ونعوذ بك من علم لا ينفع.
ونسألك اللهم أن ترزقنا رزقاً يزيدنا لك شكراً، وإليك فاقة وفقراً، وبك عمن سواك غنىً، اللهم إني أسألك أن تجعل أوسع زرقك عليّ عند كبر سني وانقطاع عمري، اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت.
رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.
آمين ..
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]