كشف تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، أن “التغلغل” الصيني في إسرائيل عبر مشاريع اقتصادية عملاقة، يستهدف “التجسس” وسرقة أسرار أميركية مهمة.
ويستعد مجلس الأمن القومي الإسرائيلي هذا الشهر لرفع توصياته لمجلس الوزراء حول مسألة الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، التي تعد قضية حساسة للغاية، وستركز بشكل رئيسي على الصين.
وخلال العقد الماضي، حرصت الصين على تعزيز استثماراتها الاقتصادية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، حيث تشير دراسة صادرة عن الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن بكين استثمرت في المنطقة 700 مليار، نصفها خصص لقطاع الطاقة، و150 مليار في ميدان الأبحاث والتطوير، و113 مليار في الصناعة، و103 مليار في النقل والمواصلات، و68 مليار في الصناعات الحربية، و4 مليارات على شكل قروض مالية، و155 مليار في صورة مساعدات إنسانية.
ونمت التجارة بين بكين وتل أبيب خلال الفترة الواقعة بين عامي 1992 و2007 من 50 مليون دولار إلى 13.1 مليار، لتصبح بذلك إسرائيل أكبر شريك تجاري في آسيا، وفي المرتبة الثالثة عالميا بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
وبلغت واردات الصين في النصف الأول من عام 2018 حوالي 2.77 مليار دولار، مما يمثل زيادة بمعدل 47 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2017.
وبحسب تقرير الـ”فورين بوليسي”، فإن الصين وروسيا عززا عملياتهما للتجسس في إسرائيل، وتحديدا للوصول إلى شركات التكنولوجية المملوكة من قبل الدولة أو القطاع الخاص، مما يقود في النهاية للتجسس على الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأبرز في العالم.
واستهدفت الصين، وفق التقرير، اثنتين من أكبر مصدري السلاح في إسرائيل، هما “رافاييل” و”إلبيت سيستمز” المملوكتين للدولة، ولديهما فروع بالولايات المتحدة، وتساهمان في تصنيع أسلحة متطورة، بما فيها صواريخ وأنظمة طيران.
وطبقا لتحقيقات أجرتها وكالات إسرائيلية متخصصة بمكافحة التجسس، فإن الهدف الرئيسي للصينيين كان العلاقات التي تربط الشركات الإسرائيلية بمقاولي الصناعات الدفاعية الأميركيين، مثل رايثيون وبوينغ ولوكهيد مارتن، لكشف أسرار مشاريع مهمة مثل طائرات “إف 16″ و”إف 35” والأنظمة المضادة للصواريخ الباليستية.
وربطت المجلة بين الجهود التي تبذلها الصين للتجسس على الأسرار الإسرائيلية ومحاولة بكين شراء قطعة أرض في حي هرتزليا بيتواش لسفارتها الجديدة، الواقعة على مقربة من مقر الموساد ووكالة الاستخبارات العسكرية “الوحدة 8200″، شمالي تل أبيب.
وواجهت المحاولات الصينية صدا من جانب جهاز الأمن الداخلي “شين بيت”، إلا أن الحلقة الأضعف كانت شركات القطاع الخاص، خصوصا الشركات التي تنتج تكنولوجيا يمكن استعمالها لأغراض سلمية وعسكرية، حيث تعد غير محمية على نحو كاف وعرضة لمخاطر أمنية مصدرها بكين.
وتجاهلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لعقود التهديد الأمني الذي تمثله الصين، وشجعوا رجال الأعمال الصينيين على الاستثمار في إسرائيل وشراء الأصول.
وهكذا وعلى مدار الخمسة عشر عاما الماضية، غزت الشركات الصينية إسرائيل، واستحوذت على مؤسسات اقتصادية مثل “تنوفا”، التي تعد واحدة من أكبر الشركات الوطنية المتخصصة في صناعة الألبان، كما فازوا بمناقصات لمد شبكات طرق وسكك حديدية في تل أبيب وأنفاق الكرمل بحيفا.
كما أعربت الصين عن عزمها شراء شركات تأمين وبنوك إسرائيلية، واستئجار مساحات شاسعة من الأراضي في صحراء النقب لزراعة الأفوكادو والقمح، وبناء خط سكة حديد من تل أبيب إلى إيلات.
وتعمل شركات الإنشاءات الصينية على توسيع الموانئ الإسرائيلية الرئيسية الاستراتيجية في كل من حيفا وأشدود، كما أنها حصلت على حقوق تشغيل وإدارة الموانئ الجديدة لـ25 عاما.
ولا تقتصر أهمية المينائين على الجانب الاقتصادي فحسب، إذ يمثلان قواعد للبحرية الإسرائيلية، التي تضم أسطول غواصات.
مخاوف أميركية
وكسر التدخل الأميركي الصمت الإسرائيلي إزاء التواجد الصيني في مواقع حساسة بإسرائيل مثل ميناء حيفا، الذي يشهد زيارات متكررة لسفن الأسطول السادس بالجيش الأميركي، والتي تضم حاملات طائرات.
وطلبت الإدارة الأميركية على لسان مستشار أمنها القومي جون بولتون، من إسرائيل، تقليص علاقاتها مع الصين، مما يضعها في مأزق حرج، فهي من جهة لا تريد إغضاب حليفها الأبرز، ولكنها في المقابل مرتبطة بعقود واتفاقيات.
وقد تجد إسرائيل الحل في تقرير مجلس أمنها القومي، الذي قد يوصي بتلبية الاحتياجات الاقتصادية دون أن يكون ذلك على حساب مصالحها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأمنها، دون إغضاب الصين بذكر اسمها بشكل علني، والاكتفاء بالإشارة لحكومات وشركات أجنبية.