تحليل سياسي: حكمة مشروعية.. براءة شروم !

هل تذكرون شروم..؟ شروم الفتى الرّقيق المسكين.. شروم الذي لم يطلق رصاصة.. ولم يقذف مسيلاً للدموع.. ولم يحمل عصا في وجه المُتظاهرين.. ولم ينزلها على ظُهُورهم.. شروم الذي لم يتصيّد أرداف الفتيات بالجلد.. شروم الذي لم يُطارد المُتظاهرين.. لا في الشوارع الرئيسة.. ولا في الأزقة والحواري.. شروم الذي لم يتسوّر المنازل.. ولم يقتحم الأبواب..! هل تذكرون شروم الطيبان..؟ الذي لم يفعل كل هذا..؟ لقد حكمت عليه المحكمة بالسجن والجلد.. وربما كانت المحكمة قد حكمت عليه بالسحل.. إن هو فعل بعضاً مما لم يفعله.. وثبتناه أعلاه..!

حسناً.. ولمن لم يتذكّر شروم.. ها نحن نحفز ذاكرته ونذكره.. ونعترف بدءاً أنّنا نعذر من لم يتذكّر شروم.. بل ونجد العذر ونسوقه لمن لم يسمع بشروم هذا أصلاً.. فالناس تتذكّر بشكلٍ أفضل ما ترى لا ما تسمع.. ولأنّ شروم هذا لم يفعل شيئاً.. بل اكتفى بالقول.. فقد نسيه الناس.. ونسوا ما قال.. فقد رأوا من الأهوال ما ينسيهم مَا سَمعوا من شروم.. بل ينسيهم كذلك ما سمعوه من قيادات الدّولة النافذة.. عن ضرورة إكرام النساء وعدم جلدهن.. وعدم دخول الأحياء.. وعدم مُطاردة الصبية في أزقة الأحياء.. وعدم تَسوُّر المنازل.. نعم لقد نسي الناس ما قال شروم.. على سُوئه.. وما قالت القيادات النافذة في الدولة.. على حسنه.. لأنّ ما رأته من الأهوال كَانَ يُغطِّي على كل الأقوال.. والناس كما قُلنــا.. تتذكّر ما ترى أفضل ممّا تسمع..!

تهمة شروم الذي نحن بصدد المرافعة عنه اليوم.. وقد انتظرنا التزاماً بنصوص القانون.. وإنفاذاً لروحه.. إنّه لا يجوز التعليق على أمرٍ بين يدي القضاء.. انتظرنا أن يقول القضاء كلمته قبل أن نُعلِّق.. وقد قال القضاء كلمته.. حسب فهمنا المُتواضع.. وفق البيِّنات التي اجتهدت النيابة في صياغتها وإيرادها وعرضها أمام القضاء.. إذن تعليقنا سينصب على جهد النيابة والحيثيات التي قدمت بها شروم إلى المحكمة.. وليس على قرار المحكمة..!

قَضية شروم سَادتي.. وفق ما تابعنا.. تقوم على تُهمتين أساسيتين.. الأولى انتحال صفة أو شخصية نظامي.. ثُمّ الإتيان بسُلُوكٍ.. عرض أسلحة.. وتَرديد عبارات تُروِّع المُواطنين.. والتُّهمة الأولى أي الانتحال جريمة يَستحق عليها شروم أشدّ العُقُوبة ولا شَكّ.. ولكن من مَارَسَ ذلك الانتحال عملاً لا قولاً يستحق عُقُوبة أشدّ ولا شك.. ولكن المُراقب يقف مطولاً عند التُّهمة الثانية التي دفعت بها النيابة في حق شروم.. وهي ترويع المُواطنين.. وتهديد الأمن القومي والمُجتمعي على حدٍّ سواء.. فالمُراقبون يرون أنّ شروم لم يرتكب جرماً يذكر.. لماذا..؟ لأنّ الوقائع التالية قد أثبتت أنّ كل ما قاله شروم كَانَ صَحيحاً.. وإن بعض أجهزة الدولة تولّت بنفسها تنفيذ جل إن لم يكن كل.. تلك التهديدات التي كان قد أطلقها طيِّب القلب شروم..!

والحَال كَذلك.. فإنّنا نلتمس لدى عدالة الحكمة المُوقّرة.. وبكل احترامٍ.. إنّ أمام النيابة المُحترمة ثلاثة خيارات.. إما تعديل تُهمة شروم لتكون إفشاء أسرار الدولة.. حيث إنّ المُتّهم قد كَشَفَ للمُواطنين.. كل ما كانت تخبئه الدولة لتطبيقه عليهم.. أو سحب الدَّعوى المُقامة في مُواجهة شروم.. والاعتذار له وتَعويضه تعَويضاً مُجزياً.. فشروم المسكين لم يفعل شيئاً مُقارنةً بما فعلت الأجهزة.. أما الخيار الثالث أمَام النيابة.. فهو أن تمضي قُدُماً في تقديم كل من نفّذ عملياً ما قاله شروم شَفَاهَةً.. إلى ذات المحكمة.. مع التّأكيد على تَشديد العُقُوبة.. فَشَتّان بين مَن قَالَ ومَن فَعَلَ..!

ربّما لاحظ البعض تجاهلنا لتّهمة السُّكر في الدعوى.. فبتثبيتها يصبح كل شيءٍ غير ذي معنى.. فثقافتنا تقضي بأنّ السَّكران في ذِمّة الوَاعي.. واللاّ كيف..!؟

محمد لطيف
صحيفة الصيحة

Exit mobile version