-1- بصورة مُفاجئة وداوية، أصدر رئيس الوزراء د.محمد طاهر إيلا، قراراً بحلِّ المؤسسة السودانية للنفط، وأن تؤول جميع مُمتلكاتها ووثائقها والعاملين بها لوزارة النفط والغاز.
ووجَّه إيلا وزارات رئاسة مجلس الوزراء والمالية والتخطيط الاقتصادي والنفط والغاز والعمل والإصلاح الإداري وتنمية الموارد البشرية، والجهات المعنية الأخرى، باتخاذ إجراءات التنفيذ.
-2-
المؤسسة السودانية للنفط مؤسسةٌ قديمةٌ من أزمنة الرئيس جعفر نميري، وما قبل استخراج البترول وإنشاء وزارة خاصَّة به.
مع إنشاء الوزارة، أصبحت المؤسسة الجسمَ التنفيذيَّ الذي يقوم بإدارة الاستكشاف النفطي والعمليات البحثية والرقابية، وإبرام تعاقدات البيع والشراء.
المُؤسسة النفطية ظلَّت شبه مُستقلَّة عن الوزارة، رغم تبعيَّتها لها.
كانت الحُجَّة القائمة، أن هذه المؤسسة بطبيعتها شبه المُستقلِّة ستُعطي إدارة الشؤون النفطية، مُرونةً أكبر وحيوية، بعيداً عن بروقراطية الخدمة المدنية.
كما أنها بشروط خدمتها الخاصَّة، ستجتذب أو ستُحافظ على الكفاءات والخبرات الوطنية؛ إذ تُوفِّر لهم وضعاً مالياً لا يُتاح لها داخل الوزارة.
-3-
لأكثر من مرَّة، تحدَّث إيلا عن تصفية المؤسسات والهيئات شبه الحكومية، التي لم تعد ذات جدوى، أو إذابتها داخل حواضنها الطبيعية (الوزارات).
أعتقد أن التوجَّه سليم، وهو يسير في اتجاه مُعاكس لسلوك إرضائي ظلَّ يحكم – لا تعيين المسؤولين فقط – بل وصل حد إنشاء أجهزة غير مُثمرة ولا منتجة، أو الاحتفاظ بها من أجل تسكين وظيفي لكبار المُوالين.
تُحلُّ مُشكلات توظيف أهل الحظوة التنظيمية على حساب المواطنين ومن مالهم العام!
-4-
ﺑﻌﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﻔﺼﺎﻝ ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﺍﻟصحفية ﻟﻴﻨﺎ ﻳﻌﻘﻮﺏ، ﺃﻥ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﺠﺎﺫﺑﺔ، ما ﺰﺍلت حيَّةً تُرزق رغم انتفاء غرض التأسيس!
ً
(الوحدة) ظلَّت موجودة من حيث ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺍﻟﻔﺎﺧﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻷﻧﻴﻖ والامتيازات، ﻭﺃﺟﺮﺕ لينا ﺗﺤﻘﻴﻘﺎً ﻣُﺘﻤﻴِّﺰﺍً ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻷﻣﺮ، ﺃﻇﻬﺮ ﻣﻔﺎﺭﻗﺎﺕٍ ﻣُﺤﻴِّﺮة!
النهضة الزراعية مثال آخر. أﻏﻠﺐُ ﺍﻟﻤُﺨﺘﺼِّﻴﻦ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻥ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ الزراعية، ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﺛﻴﻘﺔ ﺯﺭﺍﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻓﻲ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﺮ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﻭﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﻭﻋﻼﻗﺎﺕ الأرض.
ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﺮ ﻭﺍﻷﻣﺎﻧﻲ ﺍﻟﻮﺭﻗﻴﺔ؛ ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺨﻴﺒﺔ ﻭﺍﻻﻧﺘﻜﺎﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻊ ﻣﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﻧﺠﺎح 60% ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﺇﻟﻰ 40% في العام الثاني إلى لا شيء!
ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ، ﺭﻏﻢ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻭﺍﻟﺨﻴﺒﺎﺕ ظلَّت ﺃﻣﺎﻧﺔ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓً ﻛﻤﺒﺎﻥٍ
ﻭﻋﻨﻮﺍﻥ وامتيازات!
ﺗﻨﺸﺄ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕٌ ﻭﻫﻴﺌﺎﺕٌ ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻣُﻬﻤَّﺔ، ﻣﺼﺤﻮﺑﺔ ﺑﻀﺠﺔ
ﺇﻋﻼﻣﻴﺔ ﻛُﺒﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ ﺳﺮﻋﺎﻥ ﻣﺎ ﺗﺘﻼﺷﻰ ﻭﺗﻨﺘﻬﻲ ﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻭﺣﺼﺎﺋﻞ ﺻﻔﺮﻳﺔ، وتبقى المباني والامتيازات.
فلا ﺗﺠﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍً ﻟﻤﺎ يحدث ﻭﻟﻦ ﺗﺠﺪ ﺗﻄﻤﻴﻨﺎً ﺑﺄﻻ ﻳﺘﻜﺮَّﺭ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻯ
ﺍﻟﻘﺮﻳﺐ!
-5-
الأستاذة بدرية سليمان، ذكرت أن 45 وظيفة في البرلمان بغير مهام، كما أورد الزميل أحمد يوسف التاي: (أسمع عن مسؤولين يكتشفون فجأة أن عدداً من الأموات ما زالوا بكشوفات المرتبات في عدد من المؤسسات تصرف لهم الدولة الأجور والحوافز وهم عظام نخرة تحت الأرض)!!
المنطق يقول: بتراجع إنتاج النفط السوداني بعد الانفصال من 120 ألف برميل إلى 70 ألفاً، وتوالي أزمات الوقود، لم تعد هناك جدوى عملية لوجود جسم بحجم مؤسسة النفط، فالوزارة وحدها قادرة على إدارة كُلِّ العمليات النفطية.
رغم تلك التقديرات المنطقية التي نراها من على البعد، أتمنَّى أن يكون رئيس الوزراء قد اتخذ الخطوة على هدى دراسة وافية وكافية، حدَّدت الخلل واقترحت الحلول واختارت الوسائل البديلة.
النفط سلعة حيوية ذات سعرات سياسية عالية، لا تحتمل القرارات الثورية المُفاجئة، دون وضع الترتيبات اللازمة التي تُقلِّل الآثار الجانبية المترتبة على مثل هذه القرارات إلى الحد الأدنى.
-أخيراً-
من الواضح أن رئيس الوزراء محمد طاهر إيلا، بدأ في إغلاق المواسير وتجفيف بؤر المصالح وإغلاق أجهزة التكييف في المكاتب الباردة، بلا عمل مُثمر أو جدوى.
ضياء الدين بلال