عقيمة !!

الرجل العقيم لا ينجب… وكذلك المرأة..
> ثم أيضاً الدول العقيمة، لا تنجب عدلاً… ولا سلاماً… ولا تحضراً… ولا حرية..
> وحين تموت لا تترك ذرية تحمل اسمها… تفاخراً..
> وهي حتماً ستموت… كما ماتت دولة الاتحاد السوفييتي بعد عمر شمولي طويل..
> والآن لا أحد يذكرها بالخير… ولا رموزها..
> وحُطم تمثال لينين … وقُرن بالذم اسم ستالين… وسُخر من خروتشوف الساخر..
> وما ذاك إلا لأنها كانت دولة عقيمة… وعميقة..
> لم تقدر على التكيف مع بيئة العصر… ولم تستطع مواكبة طفرات التاريخ الحتمية..
> فانقرضت… تماماً كما انقرضت بعض المخلوقات قديماً..

> وسبب انقراضها عجزها عن إحداث طفرات جينية… تلائم المستجدات البيئية..
> وكثيرٌ من الدول الآن تشبه الكوجا… والماموث… والديناصور..
> هي دول ذات نظم سياسية يُفترض أن تكون منقرضة في زماننا هذا… من زمان..
> فحركة سير التاريخ السياسي تتجه – دوماً – نحو الأمام..
> نحو الحريات… وحقوق الإنسان… وتداول السلطة… والفصل بين السلطات..
> وهذه هي طفرات الجين السياسي الطبيعية..
> وما لم تحدث هذه الطفرات لن تتمكن مثل هذه الأنظمة من مواكبة مسيرة التاريخ..
> وهكذا هي الحياة كلها… في حالة صيرورة دائمة..
> وقديماً قال هرقليطس مقولته الفلسفية الشهيرة… توصيفاً لهذه السُنة الكونية..
> قال : لا تستطيع نزول النهر مرتين… فمياهه تتغير دوماً..

> ولكن الأنظمة الشمولية العقيمة – والعميقة – لا تتغير مياهها أبداً… ولا دماؤها..
> ومن ثم تظل متخلفة عن ركب الحضارة..
> وتعيش على الفُتات الذي يجود به المتحضرون عليها… وهي من خلفهم تترنح..
> وليست عقيمة وحسب… وإنما كئيبة ورتيبة ومملة كذلك..
> فالوجوه أيضاً لا تتغير، ولا المنهج… ولا الخطط… ولا البرامج… ولا السياسات..
> بل ولا حتى الخطاب السياسي، فهو يبقى كما هو… سنين عدداً..
> فما تسمعه اليوم سمعته أمس… وقبل شهر… و قبل عام… وقبل عشرين عاماً..
> فلا شيء يتغير… تحت مظلة هذه الأنظمة الماموثية..
> وحتى نشرات الأخبار التي تشاهدها اليوم هي ذاتها التي تشاهدها منذ ألف يوم..
> ما يتغير فقط هو آثار العمر على الوجوه..
> والشعوب السعيدة – حسب تقارير السعادة العالمية – تجدها في الدول المتطورة..
> ولم يرد فيها – بالغلط – اسم شعب واحد… محكوم شمولياً..
> فهي شعوب كئيبة… مثل كآبة الأوضاع السياسية – المتحنطة – التي تعيشها..
> ولكنها لن تظل كذلك إلى الأبد… بعد أن بات العالم قرية..
> فهي تشاهد شعوب الدول المتحضرة من حولها… وتتمنى أنْ لو تصير مثلها..
> والتمني هذا هو وجودٌ بالقوة… بلغة الفلسفة..
> وطال الزمن أم قصر سيمضي- تدريجياً- إلى أن يكون وجوداً بالفعل..
> ولا عزاء لكل دولة تعاند حركة التاريخ… والحياة..
> وتصر على أن تبقى ديناصوراً..
> وتبقى عقيمة !!.

صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version