لا أظن أحداً ممن أكن لهم قدراً من الاحترام أرهقني بالتعقيب المستمر وبالتأنيب، بل وبالتقريع أحياناً على تصرفاته السياسية الغريبة، مثل صديقي كمال عمر!
> آخر ما تفتقت عنه (عبقريته)، أن يُعلن عن إنشائه تياراً سماه بالتصحيحي داخل المؤتمر الشعبي، ليتولى حسبما قال، أمر تنفيذ ما سمي بالمنظومة الخالفة.. ذلك المشروع الذي أعده الشيخ الترابي وبدأ في تهيئة المسرح لانطلاقه لكن المنية عاجلته قبل أن يشرع في تدشينه او شرحه للمحيطين به والمقربين منه ممن يفترض أن يتولوا مهمة وضعه موضع التنفيذ.
> أكثر ما يدهشني في كمال، أن كل انفعالاته (واندعاراته) لا تحدث إلا كردود أفعال تجاه بعض ما يصيبه من إخوانه في الحزب او في الحكومة. فقد هاج وماج عندما اختير نائباً برلمانياً بعد تشكيل أول حكومة وفاق وطني وبرلمان قومي عقب البدء في تنفيذ مخرجات الحوار وكان يمني نفسه بموقع وزاري وعد به ولكن!
> بلغ الحال بكمال خلال تلك الغضبة المضرية، أن يخاشن أمين عام الحزب د.علي الحاج ويقول فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وتوقف الرجل بعدها عن حضور جلسات البرلمان لكنه تراجع بعد حين واعتذر لعلي الحاج جراء وساطات (وأجاويد) استجاب لها قبل أن يعاود انفجاراته الداوية مرة أخرى!
> بعدها ظل يخرج على خط الحزب من حين لآخر ويهاجم الجهاز التنفيذي، بل ورئيس البرلمان بروف إبراهيم أحمد عمر الذي بدأ معركته معه في وقت مبكر. أما معركته مع د.بدرية سليمان نائبة رئيس البرلمان، فقد كانت عجيبة! ذلك أنه حمَّلها مسؤولية إجراء التعديلات الدستورية من داخل البرلمان في بداية إنفاذ مخرجات الحوار الوطني، وكان كمن (عينو في الفيل ويطعن في ضلو)، ذلك أنه يعلم أن بدرية ما كانت تصوغ إلا ما يأتيها من علٍ وتحديداً من رئاسة الجمهورية!
> لا أحتاج الى بيان أن انفجار كمال الأخير مرتبط بقرار إزاحته من الأمانة العامة للشعبي وقبل ذلك من منصب الأمين السياسي للحزب وهو المنصب الذي كان يشغله أيام الترابي، لكن العجب العجاب، أن يتوهم كمال أن بمقدوره أن يقود تياراً تصحيحياً داخل حزبه رغم علمه أن المهام التي أعلن أنه سيتولاها أكبر من حجمه التنظيمي، بل من قدراته. فالمنظومة الخالفة، لن تقوم لها قائمة في ظل غياب منظرها، فهي تحتاج الى قدرات فكرية وحركية لا تتوافر إلا في الترابي رحمه الله.
> أشهد أن كمال عمر بذل جهداً كبيراً أيام الحوار، حتى مرض وكان من أكثر الناس وفاءً للترابي وقرباً منه وتنفيذاً لتوجيهاته في سنواته الأخيرة، ولذلك كان أكثر الناس إحساساً باليُتم جراء فقدان الشيخ الترابي الذي قدمه على كثير من المخضرمين وقفز به الى القمة.
> لكن اذا كان كمال غير راضٍ بالمواقع التي منحها بعد كل ذلك العطاء والتوهج الذي ملأ به ساحات الإعلام قبل وفاة الترابي، لماذا لا يقارن حالته بحالات أناس لا يقلون كفاءة أعطوا الفكرة والحزب عقوداً من البذل والعطاء داخل السجون وخارجها بلا مقابل يرجونه في هذه الدنيا، وأذكر منهم المهندس يوسف لبس الذي قضى 12 عاماً في سجون الإنقاذ ولم ينل غير مقعد في البرلمان شبيه بما ناله كمال!
> كمال قال إن تياره التصحيحي سيحرص كذلك على تطبيق النظام الأساسي للحزب، وأعجب أن يقول الرجل ذلك وهو الذي ظل يخرج بالليل والنهار على قرارات وتوجهات حزبه ويعلن ذلك على رؤوس الأشهاد حتى بعد أن فقد الصفة التنظيمية التي تخوله بذلك من خلال عنترياته التي تروق للصحف الباحثة عن الإثارة!
> نصيحة ظللت أرددها للأخ كمال أن (يروق شوية) لأن في ذلك خيراً له ولحزبه وللممارسة السياسية في بلادنا المأزومة، سيما وأنها (ماناقصة)!..
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة