خلال تصوير الجزيرة نت للازدحام المروري وتلاصق المباني في بلدة عناتا شمال شرقي القدس المحتلة، لإنجاز تقرير صحفي ميداني، اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي المنطقة التي يستولي على أكثر من 90% من أراضيها، في حادث بدا أنه روتيني هناك.
لم تعد عناتا كما كان يعرفها سكانها قبل عشرات السنين، فالمنطقة التي كانت تمتد على مساحة 30500 دونم، لم تتجاوز مساحتها اليوم 2200 دونم، محاطة بالجدار من كل جانب.
في داخل هذا التجمع، يقول عضو المجلس البلدي لعناتاطه نعمان إن 500 دونم منها أصبحت تحت سلطة بلدية الاحتلال في القدس، وقرابة 950 دونما، هي مصنفة مناطق “ب” وفق اتفاق أوسلو، وتعني سيادة أمنية إسرائيلية، وتتبع إداريا للسلطة الفلسطينية.
ويضف للجزيرة نت أن 220 دونما هي مناطق مصنفة “ج” مسموح البناء فيها ولكن تحت طائلة المسؤولية الشخصية، وهي مناطق تتبع سلطة الاحتلال أمنيا وإداريا
وصادر الاحتلال أجزاء كبيرة من أراضي عناتا، وأقام خمس مستوطنات عليها، عدا عن بنائه للجدار العنصري حولها من كل الجهات، وأصبحت بمدخلين فقط، أحدهما عليه حاجز عسكري، يؤدي إلى مدينة القدس، ولا عبور إلا لمن يملك الهوية المقدسية أو تصريح الدخول، والعبور عليه بشروط. أما المدخل الآخر ببوابة حديدية فتُغلق بقرار المحتل.
ويشير نعمان إلى أن عناتا في السابق كانت قرية تتبع محافظة القدس، ولكن اليوم تم تصنيفها بلدية، تتبع محافظة رام الله والبيرة.
سكان عناتا
وعند إجراء التعداد السكاني، تبين أن عدد سكانها 16700 مواطن فلسطيني، غير أن من يعيش في هذه المنطقة يتجاوز 130 ألف فلسطيني.
ولم يسجل كثير من المواطنين الفلسطينيين أنفسهم في الإحصاء الفلسطيني، وإنما فضلوا أن يتم إحصاؤهم في الإحصاء المقدسي، حتى يحافظوا على الهوية المقدسية.
وفي جولة للجزيرة نت بدت شوارع عناتا ضيقة جدا، وعماراتها متلاصقة مرتفعة لتستوعب هذا العدد الهائل من السكان.
لماذا العيش هنا؟
ويعود ذلك كله إلى أن المواطنين المقدسيين يضطرون للسكن في عناتا، وفي منطقة تتبع بلدية الاحتلال في القدس، حتى يحافظوا على دفع ضريبة الدخل، التي تبقيهم محافظين على الهوية المقدسية.
ولأن تكاليف البناء والتراخيص داخل القدس باهظة جدا، يلجأ هؤلاء إلى مناطق كثيرة أخرى للسكن فيها، لانخفاض تكاليف السكن والحياة نسبة إلى العيش في مدينة القدس.
في المقابل يدفع الفلسطينيون ثمن ذلك في الخدمات المقدمة إليهم، فبلدية عناتا، حسب منسق لجنة الدفاع عن أراضيها محمد سلامة، من المفترض أن تقدم خدماتها لـ16 ألف مواطن، ولكن فعليا هناك في المنطقة أكثر من 130 ألفا، مما يؤثر في خدمات الماء والكهرباء وحجم النفايات وعرض الشوارع.
كما أن المواطنين في السابق كانوا يشقون الشوارع بعرض ستة أمتار ليمروا منها في قرية صغيرة، ولم يتخيلوا هذا الانفجار السكاني.
بين السعادة والتعاسة
ويؤكد سلامة في حديثه للجزيرة نت أن سلطة الاحتلال تمنع بلدية عناتا من تقديم الخدمات للمواطنين جميعا، فهناك منطقة تتبع لبلدية الاحتلال في القدس، وأخرى تتبع للمخيم بخدمات الأونروا، وثالثة لبلدية عناتا، ورابعة للسكان البدو.
وحسب المتحدث، ورغم كل هذه السرقات لأراضي عناتا، لا يرخص الاحتلال البناء إلا على بُعد 150 مترا عن الشارع الذي تم فتحه من الجهة الشرقية، وهو ملاصق لشارع للمستوطنين يفصلهما جدار عنصري.
وعندما تصعد فوق سطح البلدية، ترى الجدار الفاصل، وكمّ الاكتظاظ السكاني خلف الجدار، وترى كذلك المستوطنات المقامة على أراضيها بشكل منظم، وبأعداد قليلة من المستوطنين.
ويقول سلامة إن “كذبة حق المحتل في أرضنا تنكسر في عناتا، فهناك قضية تنظر في المحاكم الإسرائيلية، وتبين فيها أن المستوطنين الذين يملكون هذه المنازل، يقومون بالترويج لها لتأجيرها، بمعنى أنها بنيت للاستثمار، وعلى حساب الفلسطينيين الذين يملكون أوراق “الطابو”، والأوراق الثبوتية بملكيتها”.
والتقت الجزيرة نت أحد المواطنين -رفض الكشف عن اسمه- لكنه أشار إلى الجدار الفاصل، وقال “هنا الخط بين السعادة والتعاسة” في إشارة إلى الاكتظاظ السكاني في عناتا، والرفاه البائن في بناء المستوطنات.
الجزيرة