ترتفع نسبة العنوسة في اليمن في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة التي تعانيها البلاد، والحرب المستمرّة منذ نحو أربع سنوات، ما يؤدي إلى عزوف الشبان عن الزواج، عدا عن الشروط الصعبة التي يفرضها الأهل عليهم
قررت إيمان سلام (36 عاماً) إرجاء فكرة الزواج حتى تنهي دراستها، لكنها لم تعلم أن رفضها لمن تقدم لها مراراً خلال فترة دراستها قد أدى إلى تأخر زواجها. تقول: “حققت حلمي وتخرجت في الجامعة، لكنني اليوم بلا عمل ولم أتزوج بعد، على الرغم من أن أكثر من خمسة أشخاص جاؤوا وطلبوا يدي أثناء الدراسة، لكنني رفضت خوفاً من أن تمنعني الحياة الزوجية من إكمال دراستي”.
تضيف لـ “العربي الجديد”: “الحرب وتداعياتها أجبرت الشباب على تأجيل الزواج لعدم قدرتهم على تحمل تكاليفه، إضافة إلى غلاء المهور وشروط الآباء المعقدة أحياناً لاختيار أزواج لبناتهم”. وتقول سلام إنها بدأت تشعر بالقلق بعدما تجاوزت الثلاثين قبل سنوات، “لكنني في نهاية المطاف أؤمن بقضاء الله وقدره”.
ليست المشكلة بالنسبة لسلام هي عدم زواجها، بل نظرة الناس إليها. “ينظرون إليّ بعين الشفقة لأنني لم أتزوّج حتى الآن وأكوّن أسرة. هذا الأمر يزعجني”. وتنصح الفتيات وأهلهنّ بمُراعاة ظروف الشباب حالياً وتخفيف التكاليف عنهم، ولا سيما مع توقف الكثير منهم عن العمل، بسبب الحرب المستمرة منذ مارس/ آذار في عام 2015.
وارتفعت نسبة الفتيات المتأخرات عن الزواج في اليمن خلال السنوات الأربع الماضية، من جراء الوضع المعيشي الصعب الذي يمر به معظم الشباب وعدم توفر الأعمال. وترى ابتسام علي (28 عاماً)، أن العادات والتقاليد المبالغ فيها والمكلفة في اليمن، تُثقل كاهل الشباب المُقدمين على الزواج، وتساهم بشكل كبير في زيادة نسبة العنوسة في أوساط الفتيات. وتقول لـ “العربي الجديد” إنها لم تتزوج حتى الآن، ويبدو أنها سوف تلتحق بركاب العانسات، لأن الكثير من الشبان في اليمن لا يفكرون بالزواج حالياً، بسبب شروط الأهالي المعقدة والأوضاع الصعبة التي يعيشونها. تضيف: “النساء في عمري لديهن أطفال، والأسر اليمنية تفضل تزويج أبنائهم بفتيات صغيرات ومتفرغات لأعمال البيت، ما أدى إلى زيادة نسبة العنوسة بين النساء الموظفات على وجه الخصوص”.
بدوره، يقول أنور محمد إنه قرّر تأجيل حفل زفافه، بعدما فقد عمله في إحدى الشركات الخاصة، ولم يعد بمقدوره توفير تكاليف الزواج والمهر، وتأثيث شقته الخاصة، وأصيب إثر ذلك بالإحباط الشديد. يضيف محمد لـ “العربي الجديد” أن تكاليف الزواج وغلاء المهور تُشكل عائقاً كبيراً أمام الشبان المُقبلين على الزواج، ما دفع كثيرين إلى العزوف عنه، لترتفع نسبة العنوسة بين النساء والرجال. “لا أجد عملاً منذ سنوات، وأعيش على ما تحصل عليه أسرتي من مساعدات من المنظمات أو ممارسة بعض الأعمال من حين إلى آخر. كيف يمكن أن أوفر المهر وتكاليف العرس أو متطلبات حياة الأسرة؟”. ويلفت إلى أن الكثير من الشبان “فسخوا الخطوبة بسبب فرض مهور مرتفعة من أولياء الأمور”. ويوضح أن “عدم قدرة الشباب على الزواج دفع بالفتيات إلى الزواج برجال متزوجين وميسوري الحال هرباً من العنوسة”، داعياً أولياء الأمور إلى خفض المهور والشروط المفروضة على الشباب لتسهيل الزواج.
تقل ظاهرة العنوسة في المناطق الريفية بالمقارنة مع المدن، لأسباب كثيرة على رأسها انخفاض المهور، إضافة إلى وجود مبادرات مجتمعية تلزم أولياء الأمور بطلب مبالغ محددة من الشباب. وفي السياق، يقول صالح الغشم، وهو من مديرية الشرق في محافظة ذمار وسط البلاد، إن لديهم مبادرة مجتمعية تلزم الأهالي بتوحيد تكاليف الزواج، ولا سيما لأبناء القرية الواحدة.
يضيف الغشم: “الزواج في القرى ليس مكلفاً مثل المدن وهو في مُتناول الجميع تقريباً. حفل الزفاف مثلاً يُقام في منزل شيخ المنطقة ولا يدفع العريس شيئاً في المقابل. كما أن الأهالي لا يبالغون في الطلبات، ويمكن أن تعيش العروس في منزل أهل العريس ولا تطلب منزلاً خاصاً كما يحدث في المدينة”. ويشير إلى أن معظم سكان الأرياف “يرغبون في ستر بناتهم وأخلاق العريس بشكل رئيسي، بغض النظر عن حالته المادّية”. يؤكد أن هناك سقفاً معيناً للكلفة بين أفراد القرية الواحدة أو الأسرة فقط، ويختلف الأمر إذا كان العريس من خارجها، ويرتفع المهر وتكاليف الزواج.
إلى ذلك، تحمّل الباحثة الاجتماعية هند ناصر الأسرة مسؤوليّة عزوف الشبان عن الزواج بدرجة أساسية، مشيرة إلى أن ظاهرة العنوسة تفشت أخيراً في اليمن بشكل كبير بسبب غلاء المهور، والحالة الاقتصادية الصعبة للشبان، إضافة إلى رفض الأهالي زواج بناتهم نظراً لاختلاف الثقافات والعادات والتقاليد. تضيف ناصر لـ “العربي الجديد”: “يجب على الأهالي مراعاة ظروف الشباب الحالية، للتقليل من ظاهرة العنوسة، أو نحن مقبلون على كارثة كبيرة، ولا سيما مع ارتفاع أعداد القتلى الرجال في الحرب، الذي يقابله ارتفاع في أعداد النساء”. وتشير إلى أن بعض الأهالي “يتخذون من زواج بناتهم فرصة للحصول على المال من العريس، ويكثرون الطلبات بغية التفاخر أمام الناس، علماً أنه تصرف غير أخلاقي وديني، يظهر المرأة وكأنها سلعة لمن يدفع أكثر”. وتطالب السلطات المعنية في الحكومة بإيجاد حلول وتسهيلات للشباب، مثل “تحديد المهور وإلزام الأهالي بها، وصرف قروض مالية للمقبلين على الزواج وأي شيء يمكن أن يقلّل نسبة العنوسة، مثل بقية دول العالم التي تُعاني من المشكلة نفسها”.
وبحسب آخر تقرير أعدّه جهاز الإحصاء في اليمن عام 2014، يقدّر عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن في البلاد بأكثر من مليونين، بينهن أكثر من نصف مليون ممن تجاوزن سنّ الثلاثين.
العربي الجديد