ساءني جداً أن أطالع بياناً قبل يومين ، صادر عن ما تسمى (لجنة أطباء السودان المركزية) ، وهي كيان سياسي معارض يضم طائفة من أطباء الامتياز والعموميين وبعض نواب الاختصاصيين ، وفي البيان تجنٍ وإساءات وكذب ، ومحاولة للحط من قدر أحد أساتذة الطب في السودان ، البروفيسور “مأمون حميدة” ، على خلفية الأحداث المؤسفة التي شهدتها جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ، باقتحام قوة أمنية حرم الجامعة ، لملاحقة متظاهرين ومتظاهرات من طلاب الجامعة وجامعات أخرى احتموا بقاعاتها ومكاتبها .
وقد أصدر رئيس مجلس أمناء الجامعة البروفيسور “مأمون حميدة” بياناً مكتوباً وآخر مصوراً ، أدان فيهما بلهجة شديدة التعدي على حرم الجامعة والاعتداء على طلابها – رغم أن قانون الطوارئ يبيح للقوات النظامية اقتحام كل المباني وتفتيشها – وطالب الجهات المسؤولة عن الأمن بالتحقيق الفوري ومحاسبة المتجاوزين .
مؤسف .. ومحزن .. ومحبط أن يصف بيان صغار الدكاترة في لجنة الأطباء المركزية أستاذهم البروف بـ(المدعو مأمون حميدة) !!
إن أسوأ ما أنتجته مظاهرات الشهرين الماضيين وروجت له بكثافة في الوسائط ، هو ثقافة الإسفاف ، ومفردات التسفل، وأساليب الابتذال والابتزاز الرخيصة (إما ثائر أو كوز ندوسوا دوس) !!
لو أن عبارة (المدعو) في حق دكتور “مأمون” ، صدرت عن ناشطٍ عبثي مسكنه (الفيس) ، أو مناضل بُرعم عاقر السياسة بعد (19 ديسمبر) ، أو ثائرة صغيرة متوهمة أن الأشياء هي الأشياء ، لعذرناهم ، وما سألناهم ، فالفعل يشبههم ويناسب عمرهم ، وتجربتهم السياسية ، ومراجعهم السلوكية ، وكل إناءٍ بما فيه ينضحُ .
لكن أن ينادي طبيب صغير غرير ، ما يزال في مدخل الخدمة ، أستاذه في مهنة الطب بـ(المدعو) ، وليس(الدكتور) التي لا يقبلون غيرها عند مناداتهم في المستشفيات وخارجها في المجتمعات ، فإنه سقوط .. ما بعده سقوط ، وتعدٍ على القيم و النُظم والأعراف وأدبيات القطاع الصحي منذ أن عرف السودانيون مهنة (الدكتور) ، وغنوا لها ، وبشروا بها أولادهم وبناتهم في كل المدن والفرقان .
“مأمون حميدة” مدير جامعة الخرطوم الأسبق ومؤسس أكبر جامعة طبية خاصة في السودان ، العالِم الذي تعتبره جامعات بريطانيا أحد أعلام الطب في أفريقيا والعالم العربي ، هو مجرد (مدعو) عند لجنة الأطباء المناضلين الذين امتهنوا السياسة قبل أن يمتهنوا الطب !!
يعلم الجميع أنني خالفت بروف “مأمون” كثيراً في قراراته (الإدارية) ومن بينها تفكيكه لمستشفى الخرطوم التعليمي ، وتفريغ مركز العاصمة من مشفى طوارئ حكومي كبير ، ونقله للأطراف ، لكنني لم أكتب يوماً في مقالاتي الساخنة ضده (المدعو مأمون حميدة) ، بل ظللتُ أحتفظ له بلقبه العلمي وحقه الأدبي (دكتور .. بروفيسور) ، فهو ليس منحة من أحد ولا هبة من جهة تخلعها عليه متى ما أرادت وتنزعها منه حين شاءت .
إنني أطالب (لجنة الأطباء المركزية) بنزع رداء السياسة الرعناء ، والنزول من ظهر هذا الجواد الأعرج ، أطالبهم بالاعتذار الواجب لأستاذهم البروفيسور “مأمون محمد علي حميدة ” .
تمثُلوا – وأنتم الدكاترة – قيم ومبادئ هذه المهنة الملائكية ، ولا تحطوا من قدرها ومقدارها .
الهندي عزالدين
المجهر