إعلان وزارة المالية رفع الدولار الجمركي من (6.9) جنيه إلى (18) جنيهاً، في مطلع العام الماضي، وصفها بعض الاقتصاديين آنذاك بـ(الكارثة) وأنها ستنعكس سلباً على الإنتاج والأسعار والمواطن. وكثر الحديث والشائعات خلال الفترات الماضية عن خفض الدولار الجمركي، إلا أن أمس الأول شهد الإعلان عن اتفاق مفاجئ بين رئيس الوزراء القومي د. محمد طاهر إيلا ورئيس اتحاد أصحاب العمل سعود البرير. وفي الأثناء أكد عدد من المختصين إيجابية الخطوة في انعاشها لحالة الركود بالاقتصاد، وتطلع البعض بأن تشهد الفترة المقبلة خفض تدريجي آخر للدولار الجمركي، لتحقق الأهداف المرجوة في تحريك قطاعات الإنتاج بالاقتصاد السوداني.
تمهيد الطريق
رئيس الوزراء السوداني وزير المالية، السابق معتز موسى، أعلن بالبرلمان عن دراسة لخفض سعر الدولار الجمركي، وذلك قبيل بدء تنفيذ الموازنة العامة للعام 2019م التي أجيزت دون أي زيادة جديدة في الدولار الجمركي، إلا أن قال معلقاً على القرار بأنه مقتنع بأن أي شيء يرتفع يصعب انخفاضه، ويعرف الدولار الجمركي بأنه الأساس لتقييم قيمة الواردات للبلاد، وعليه يكون تقييم رسوم القيمة الجمركية للبضائع التي يدفعها المستورد.
خطوة أولى
في خطوة مفاجئة أعلن رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني، سعود البرير عن بشرى للقطاع الخاص عن بشريات إيجابية للقطاع الخاص الوطني وللاقتصاد الوطني تمثلت في الاتفاق على تخفيض قيمة الدولار الجمركي بنسبة 20% ” أي “من 18 جنيهاً إلى 15 جنيهاً” وتخفيض تسعيرة قيمة الأرضيات بالميناء بنسبة 50% للفترة من الأول من فبراير الجاري وحتى اليوم الخامس والعشرين من فبراير الجاري، بالإضافة إلى إعفاء كل مدخلات الإنتاج والحاويات الشخصية من فورم الاستيراد، واعتبرها قرارات إيجابية، ستجد الدعم من قبل القطاع الخاص، لأنها تسهم في معالجة وحل كثير من المشكلات وتدعم الاقتصاد الوطني، إلى جانب تأثيرها الإيجابي على القطاعات الإنتاجية والحركة التجارية، وتسهيل عملية انسياب السلع وخفض تكلفة الإنتاج.
سبب الأزمة
الاقتصادي بروفسير إبراهيم أونور، وصف في حديثه لـ(السوداني)أمس قرار خفض الدولار الجمركي بـ(الخطوة الإيجابية)، وقال إن رفع الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيهاً، كان أساس الأزمة الاقتصادية وتسبب في إرباك كل العمل الاقتصادي بالبلاد. واعتبر خطوة قرار خفض الدولار الجمركي ستنعش الاقتصاد وتقلل تكلفة الإنتاج للسلع والبضائع، إلا أن ارتفاع التضخم والدولار ربما يقلل مما ستحققه الخطوة من ايجابيات، متطلعا الى ان يشهد العام الجاري حدوث خفض تدريجي للدولار الجمركي، كما دعا الى تخصيص ميزة هذا التخفيض لبعض السلع ذات الاولوية ومدخلات الإنتاج، دون السلع الكمالية. مشيراً إلى أن المرحلة الاقتصادية الراهنة تحتاج لقرارات إيجابية تدعم وتحرك الاقتصاد.
ثلاثة محاور
الغرفة القومية للمستوردين، اعتبرت بأن خفض الدولار الجمركي من 18 إلى 15 جنيهاً، ستنعكس إيجاباً على ثلاثة محاور أساسية، وقال نائب الأمين العام للغرفة نارد عماونيل ، في حديثه أمس لـ(السوداني) إن خفض الدولار الجمركي يعطي صورة إيجابية لانسياب السلع والبضائع في الأسواق، وينعكس على مسألة استقرار السلع الاستراتيجية والغذائية والاستهلاكية، وأضاف: سيعمل الخفض بنسبة 20% على الحد من عمليات التهريب، لأن فرق الرقم يمثل محفزاً للعمل، إضافة إلى أنه يعطي مؤشراً جيداً لخفض سعر الدولار بالسوق الموازي، وتوقع بأن يكون خفض الدولار بنسبة 33% ما يعادل 12 جنيهاً، معتبراً بأن هذه النسبة كانت ستحقق مكاسب ونتائج مقدرة للاقتصاد، مؤكداً على دعم هذه الخطوة حتى تحقق غاياتها المرجوة، وذلك بإحداث المزيد من الانتعاش والنشاط للاقتصاد، مشيراً إلى أن الغرفة ستقف خلف هذه التجربة حتى نصل إلى رقم 12 جنيهاً للدولار الجمركي خلال الفترة القادمة.
الواقع الآن
وفيما وصف أحد الموردين فضل حجب اسمه، خفض الدولار الجمركي بـ(الخطوة الممتازة) التي ليس عليها أي غبار، لأنها ستنعكس خفضاً للتكلفة والمستوى العام للأسعار وخفض معدلات التضخم، وأكد في حديثه لـ(السوداني) إن الوضع الحالي للدولار الجمركي بواقع 18 جنيهاً أصبح تأثيره ضعيفاً على التكلفة مقارنة ببداية العام الماضي، مبيناً بأنه عندما تم رفع الدولار الجمركي لـ(18) جنيهاً مثل نسبة 75% من سعر الدولار بالسوق الموازي، أما الآن فنجد بأن قيمة الـ(18) جنيهاً تعادل نحو 18.5% من قيمة الدولار بالسوق الموازي، مشيراً إلى أن تأثيرها على التكلفة الحالية لن يكون كبيراً.
انخفاض قادم
وفي المقابل قال مدير عام الجهاز المركزي للإحصاء د. كرم الله علي عبدالرحمن، في حديثه لـ(السوداني)أمس، إن خفض الدولار الجمركي من المقرر أن ينعكس على خفض أسعار السلع المستوردة، وسعر الدولار بالسوق الموازي، إضافة إلى انخفاض معدل التضخم، ولكن رهن حدوث ذلك بتنفيذ الرقابة، مشدداً على أن السؤال المهم متى يبدأ تأثير ذلك الانخفاض، وتوقع كرم الله، بأن يتضح الأثر لاحقاً بسبب وجود بضائع مستوردة بقيمة الدولار القديم.
حالة استثناء
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن محطات التخليص الجمركي لم يصلها أي إخطار رسمي لتنفيذ القرار، إلا أنها قالت في حديثها لـ(السوداني)أمس، إن خفض الدولار الجمركي لم يكن بمعدل ملموس، وحوالي ثلاثة جنيهات فقط، ومطالبة بأن يكون التخفيض برقم كبير يكون له أثر إيجابي.
وبررت المصادر ذلك بأن الدولار الجمركي تم رفعه من 6.9 إلى 18 جنيهاً، كحدث غير مسبوق في تاريخ البلاد، وأكدت أن تخفيض الأرضيات جاء مؤقتاً للبضائع التي تأثرت بحالة الإضراب خلال فبراير الجاري فقط. في الأثناء شهد يناير الماضي، اجتماعاً بين رجال الأعمال وإدارة هيئة الجمارك، وجاءت أبرز المداخلات على لسان مدير عام الجمارك الأسبق اللواء سيف الدين عمر سليمان، معتبراً بأن الدولار الجمركي أحد الأسباب التي تسبب في إحداث المشكلات، منوهاً إلى عدم وجود ما يسمى بالدولار الجمركي وأن المعنى المراد هو معدل التبادل، وقال إن الضرورة تستوجب بأن يتم قبول التعامل في التقييم بأي عملة من العملات السارية في البنك للتحويل للجنيه السوداني، مشيراً إلى أنه كلما كان هيكل التعريفة، مبسطاً وساهلاً وصحيحاً فإنه يصب في حجم زيادة الإيرادات.
الخرطوم: ابتهاج متوكل
صحيفة السوداني.