ضياء الدين بلال: بين إيلا ومعتز!

-1 عقب تعيين السيد معتز موسى رئيساً للوزراء، تلقَّيتُ سؤالاً واحداً
مُكرَّراً من البي بي سي وقناة العربية، وقبلهما من الأستاذ الطاهر حسن
التوم، في برنامج (حال البلد):
ما الجديد الذي يدعو للتفاؤل بأن هذا التغيير سيكون له أثرٌ إيجابيٌّ على
واقع الناس؟!
كانت إجابتي وقتذاك: ابن موسى لا يحمل عصا موسى، فالأزمة كبيرة
ومُعقَّدة، والميدان زلق والمُعينات قليلة؛ لذا يجب أن تكون الطموحات
موضوعية وغير هُلامية مُجنَّحة.
أيُّ محاولة لرفع سقف التوقُّعات، بأن الحال سيعتدل والظلُّ سيستقيم
وستصفو الليالي بعد كُدرتها، بمُجرَّد مغادرة الفريق بكري وقدوم السيد
معتز، تعتبرُ ظلماً لرئيس الوزراء الحالي والسابق معاً.

وقلت إن أكثر ما يُميِّز مُعتز، أنه رجل ذو مصداقية عالية وجدية بائنة،
لم تغب عن نظر أغلب المُتعاملين معه.

فهو يتميَّز بالصدق وعدم التلاعب بالألفاظ، للهروب من الالتزامات عبر
بوابة التبرير أو الإنكار.

-2-

قضى السيد معتز موسى أقل من ستة أشهر في المنصب، اجتهد بكُلِّ جدية
وحماس، واستوعب طبيعة الأزمات وسعى لعلاجها، ولكن الأزمة الكبرى ظلت
مُعقَّدة وعميقة، والميدان زلق والمُعينات قليلة، وفرص النجاح كانت
ضئيلة.

-3

الآن جاء السيد محمد طاهر إيلا لمنصب رئيس الوزراء، والحال على ذات
الحال؛ بل مضى إلى ما هو أسوأ.

قناعتنا راسخة في مقدرات وإمكانيات محمد طاهر إيلا، واحتفاؤنا دائمٌ
بإنجازاته في ولايتي البحر الأحمر والجزيرة، حيث ظللنا نكتب لسنوات:

إيلا ليس ساحراً، ولا بهلواناً سياسياً، ولا ولياً صوفياً تجري على يديه
الكرامات؛ بل هو سياسي صاحب رؤية تُمازج بين أرقام الاقتصاد والمُعادلات
الاجتماعية، بارعٌ في الحفاظ على الموارد وإدارة صرفها في ما يفيد الناس،
لا على أصحاب المصالح من كباتن وسماسرة السياسة.

سياسة محمد طاهر إيلا ظلَّت في تجربتيه ببورتسودان وودمدني، التقرُّب
للمواطن بالخدمات لا الشعارات، والتعامل معه بصورة مباشرة بعيداً عن
وسطاء التقارير المُزيِّفة التي تجمل الواقع وتزين الباطل لمُتَّخذ
القرار.

كانت ميزانيات الولايتين – ما قبل إيلا – لا تُنفق على الخدمات والتنمية،
بل تذهب إلى جيوب قلَّة مُتنعِّمة بالامتيازات ومُنتفعة من الحوافز
الجائرة.

وحينما جاء إيلا لم يستحدث موارد جديدة، بل أغلق مواسير الصرف العبثي
وأعاد المال إلى أهله (المواطنين)، طرقاً وخدمات تُرى بالعيون ولا تسمع
بالآذان وعوداً سرابية خادعة!

توسع إيلا في تقديم الخدمات والتزم الصمت الجميل، إلا عند الحاجة
المُلحَّة، فنال رضا الجماهير وسخط رموز الفشل والخيبات وخفافيش الفساد.

-4-

مع كُلِّ ذلك، لا بد من الوضع في الاعتبار، أن تجربة إيلا الراهنة
التحدِّي فيها لا يشبه تجاربه الولائية السابقة. الملعب مختلف والمطلوب
منه اليوم غير الذي كان في تجاربه السابقة (طرق ونظافة وانترلوك).

المطلوب في هذه المرحلة من السيد إيلا، الذي يتميَّز بوضوح الرؤية
وقُوَّة الإرادة، أن يتعامل مع التحدِّي الجديد بصورة فيها كثيرٌ من
الانفتاح على الآخرين مع سعة الصدر وتجنُّب المعارك غير الضرورية، والأهم
من كُلِّ ذلك ترسيخ المُؤسَّسية.

سنُعيد لإيلا ما قلناه لمُعتز في أيامه الأولى:

الحقيقةُ التي لا مفرَّ من مواجهتها: تجاوز الأزمات الاقتصادية الكلية
بالمُعالجات المحلية، لا تُعين عليه الإمكانيات المُتاحة ولا يسمح به
الوقت المُتبقِّي لتحقيق نجاح كبير.

لا بدَّ من استقطاب دعم خارجي سريع، يُوفِّر أرضية ثابتة لإجراء إصلاحات
اقتصادية شاملة. ما لم يتحقق ذلك سيجد إيلا نفسه يصل إلى النقطة التي
انتهى إليها معتز.

-أخيراً-

لو أن حكومة السيد محمد طاهر إيلا القادمة، أفلحت في إيقاف نزف قيمة
العملة وإغلاق مواسير الفساد، وترتَّب على ذلك استقرارٌ اقتصاديٌّ نسبيٌّ
بتوفير السلع الأساسية بأسعار في متناول أيدي المواطنين؛ ستكون حَقَّقَتْ
ما تُشكَرُ عليه.

ضياء الدين بلال

Exit mobile version