نحمد الله كثيراً أنه من بين كل المبادرات التي قدمت من قبل الأحزاب والتحالفات والشخصيات القومية للخروج من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي خيمت على البلاد خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت مبادرة تحالف قوى 2020م، هي الوحيدة التي قدمت الحل الناجع والذي أخذ به رئيس الجمهورية خلال خطاب إعلان الطوارئ سيما وأنها دعت الى وقف التعديلات الدستورية التي كانت تهدف الى السماح لرئيس الجمهورية بالترشح مرة اخرى في الانتخابات المزمع اجراؤها في العام القادم (2020) وهو ما استجاب له الرئيس حتى وان خرج القرار بصيغة مختلفة عما اعلن عنه مدير جهاز الأمن صلاح قوش في مؤتمره الصحفي، مما لا اشك البتة انه هو ما افضى به الرئيس للرجل مكلفاً اياه بنقله للاعلام تعبيراً عن قرار جازم وحازم لا تراجع عنه ولا نكوص.
ما اعلنه الرئيس في خطابه حول طلبه (تأجيل) النظر في التعديلات مجرد اتفاق ورؤية (اخراجية) استجاب بها رئيس الجمهورية لطلب رئيس الهيئة التشريعية القومية بروف ابراهيم احمد عمر خلال اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني الذي تلقى مبادرة من عدد مقدر من النواب، باعتبار أن الهيئة التشريعية هي المخولة بالنظر فيها، وهو عين ما قاله لنا بروف ابراهيم عندما طرحنا عليه مبادرة تحالف قوى 2020 والتي طالبنا فيها بعدم تعديل الدستور .
صحيح ان عبارة (تأجيل النظر في التعديل الدستوري) تمنح البعض فرصة اكبر للمناورة خاصة اذا كان هناك تفكير بتمديد الفترة الانتقالية لاستيعاب الممانعين والحركات المسلحة قبل الانتخابات ولتحقيق مآرب اخرى تعوض الرئيس عن تنازله عن الترشيح مجدداً.
ولم يتناول المحللون البعد الخارجي لقرار الطوارئ، ولكني اعتقد ان عبارة ان يكون الرئيس (على مسافة واحدة بين القوى السياسية بما فيها المؤتمر لوطني) ليس مقصوداً بها الوطني انما قوة اخرى اهم هي الحركة الاسلامية او (الاخوان) الذين ظلوا هم الشغل الشاغل لبعض الانظمة الاقليمية والدولية، والذين يعني خروجهم من السلطة الكثير لتلك الانظمة التي لن ترضى باقل من ازاحتهم تماماً من مفاصل السلطة من خلال اعلان الرئيس تخليه عن الانتماء لهم ولذراعهم السياسي (المؤتمر الوطني).
صحيح ان اداء المؤتمر الوطني البائس كان محل انتقاد الرئيس البشير المستمر خلال السنتين او الثلاث الاخيرة خاصة امام مجلس الشورى، ولكن التقصير الشنيع الذي حدث خلال الازمة الاخيرة خاصة في الجانب السياسي والاعلامي الذي سيطرت فيه المعارضة الاسفيرية بالكامل على المشهد، اظهر الحكومة او الرئيس بمظهر العاري تماماً من أي سند جماهيري، الامر الذي منح الرئيس مبرراً كافياً للانفكاك من ذلك القيد العاجز ذي الكلفة الباهظة على الاقل خارجياً.
يعلم الناس كيف القت بعض دول الخليج بكل ثقلها خلف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكيف ساندته قبل ان يقدم على تعويم الجنيه المصري، بعشرات المليارات من الدولارات مكنته من رصد مبلغ ضخم من الاحتياطي (Cushion) الامر الذي ثبت سعر العملة الحرة في مقابل الجنيه المصري.
لا يختلف اثنان في ان اكبر اسباب الازمة الاقتصادية الحالية تمثل في سعر العملة الحرة والتي افشلت سياسة الصادر وتحويلات المغتربين وشراء الذهب من المعدنين وغير ذلك، مما ادى الى العجز الهائل في ميزان المدفوعات بل والميزان التجاري بكل ما ترتب عليه من ازمات تمسك بخناق بلادنا المنكوبة، فهل تفك القرارات الاخيرة العزلة وتنهي حصار الاقربين والابعدين؟
لا اجد مبرراً قوياً لموقف السودان ازاء الخلاف بين معسكري قطر والامارات، فقد دفع السودان ومازال ثمن ذلك الحياد بعد ان عاقبه الطرفان بمقاطعة مؤلمة، وبالرغم من تعاطفي مع قطر التي ظلت على الدوام نصيراً للسودان، الا ان الانحياز لاي من الطرفين مبرر تماماً في ظل التداعيات الكارثية التي يمكن ان تنجم عن الازمة الاقتصادية خاصة بعد اشتعال الاحتجاجات الاخيرة، ولا مقارنة بين الخسارة الناجمة عن الانحياز لاي من المعسكرين وسقوط السودان في مستنقع الفتنة وانهيار الدولة السودانية، ففي الفقه الاسلامي سعة تجيز اكل الميتة عند الضرورة.
نقطة اخيرة اختم بها مقالي هي أن عقد قوش دون غيره المؤتمر الصحفي يحمل من الرسائل الداخلية والخارجية ما لا ينبغي ان يفوت على فطنة أولي الألباب ولا أزيد!
الطيب مصطفى
صحيفة الإنتباهة