الاتجار بالبشر في البرتغال يزداد ومعظم ضحاياه مهاجرون!

في وقت تبدي فيه البرتغال استعدادها لاستقبال المزيد من المهاجرين، يزداد عدد ضحايا الاتجار بالبشر في البلاد، معظمهم من المهاجرين، حيث يتم إجبارهم على العمل في الحقول الزراعية أو يتم استغلالهم جنسياً.

بحسب تقرير للمفوضية الأوروبية فإن أعلى نسبة لاستغلال البشر (الاتجار بالبشر) في البلدان الأوروبية بين عامي 2015 و2016 كانت في البرتغال، إلى جانب مالطا. ويشير التقرير إلى أن 65 % من ضحايا الاستغلال في البرتغال يقعون ضحية الاستغلال في العمل، بينما يتم استغلال 28 % منهم جنسياً.

وتقدر السلطات البرتغالية أن هذه الأرقام ليست سوى غيض من فيض، بسبب دخول العديد من المهاجرين إلى البلاد بشكل غير نظامي وبقائهم دون تسجيل.

“خارج السيطرة”

ووفقاً لإحصائيات الرسمية فإن غالبية ضحايا الاتجار هم من الذكور 57 % مقابل 43 % من الإناث. وفي حين أن غالبية الضحايا هم من البالغين 83 %، فإن 14 % منهم أطفال. ومعظم الذين يتم استغلالهم – بحسب البيانات الرسمية – هم مهاجرون من بنغلاديش وباكستان ونيبال والهند وأوروبا الشرقية (وخاصة من بلغاريا ورومانيا) بالإضافة إلى القادمين من بلدان غرب إفريقيا.

وترى دائرة الهجرة وحماية الحدود في البرتغال (SEF)، والتي تقوم بمداهمات لمكافحة الاتجار البشر، أن المشكلة أصبحت “خارج السيطرة”، وقال رئيس الهيئة أكاسيو بيريرا لرويترز إن هذه المشكلة تتركز بشكل رئيسي في منطقة ألينتيخو، جنوب غربي البلاد.

وبحسب بيريرا فإن دائرة الهجرة وحماية الحدود صعّدت من المداهمات لمكافحة الاتجار البشر في السنوات الأخيرة، ولاسيما في المناطق الريفية التي تحتاج إلى عدد كبير من العمال الموسميين، مضيفاً أنهم عثروا على العديد من الضحايا الذين تم إجبارهم على العمل في المزارع بأجر قليل أو بدون أجر إطلاقاً.

ويصل معظم أولئك المهاجرين الضحايا إلى البرتغال – بحسب السلطات – بمساعدة شبكات التهريب التي تعلن عن “فرص عمل” عبر الإنترنت. وعند وصولهم إلى البلاد، عادة ما يتم تجريد الضحايا من وثائقهم، وإجبارهم على العيش في مناطق معزولة وغير صحية – أحياناً لسنوات – حتى يسددوا “ديون المهربين” في رحلة الوصول إلى أوروبا. وبسبب وجودهم في مناطق نائية ومعزولة، يكون من الصعب على الكثير منهم طلب المساعدة.

معالجة المشكلة

وتحاول البرتغال الحد من هذه الظاهرة منذ عام 2008، حيث أنشأت حينها مرصداً لمكافحة الاتجار بالبشر (OSTH)، وفي عام 2013 أصدرت الحكومة خطة عمل ثالثة لمكافحة هذه الظاهرة. وتتراوح عقوبة الاتجار البشر في البرتغال بالسجن ما بين 3 إلى 15 سنوات، وذلك حسب درجة الجريمة، كما يمكن أن تتم زيادة الأحكام بمقدار الثلث إذا وجد القاضي أن الاتجار ترافق مع عنف شديد ضد الضحية.
ومنذ تأسيسه يحاول المرصد زيادة الوعي بهذه القضية بين البرتغاليين والمهاجرين الذين يتم استغلالهم على حد سواء. وتتوفر المعلومات حول هذه الظاهرة على موقع المرصد على الانترنت باللغتين الإنجليزية والبرتغالية. ويطلب المركز من الناس الإبلاغ عن حالات في حال الاشتباه بها.

وتتوفر بعض المراكز التي تستقبل ضحايا الاتجار بالبشر، بعضها حكومية وأخرى أنشأتها منظمات غير حكومية. وبمجرد اكتشاف حالة اتجار، تنقل السلطات البرتغالية الضحايا إلى مركز استقبال وتعطيهم مدة تتراوح بين 30 إلى 60 يوماً ليقرروا فيما إذا كانوا يريدون التعاون مع السلطات لملاحقة شبكة التهريب التي قامت باستغلالهم بعد أن جلبتهم إلى البلاد. ومن يقرر التعاون مع السلطات في ذلك، يحصل على تصريح إقامة لمدة سنة، قابل للتجديد.

لكن التعاون مع الشرطة وتقديم شهادات ضد شبكات التهريب قد يشكل أحياناً خطراً على الضحايا، بسبب ملاحقتهم من قبل تلك الشبكات، حسبما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير حول هذا الموضوع عام 2018.

تعاون دولي

وتعمل البرتغال مع بلدان أوروبية أخرى، مثل النمسا وبلغاريا وأيرلندا ورومانيا لإنشاء نظام مراقبة أوروبي مشترك لمكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر، كما عقدت الحكومة البرتغالية شراكات ثنائية وثيقة مع العديد من المستعمرات البرتغالية السابقة مثل البرازيل، جمهورية ساو تومي وبرينسيب الديمقراطية وغينيا بيساو (في إفريقيا) لمكافحة هذه الظاهرة.

ورغم أن السلطات البرتغالية تشير إلى أن غالبية الضحايا يتم استغلالهم في القطاع الزراعي، إلا أن تقرير الخارجية الأمريكية كشف أنه يتم استغلال المهاجرين في مجالات أخرى أيضاً مثل البناء والخدمات، وخاصة في المطاعم.

كما يشير التقرير الأمريكي إلى أنه غالباً ما يتم جلب المهاجرين في البداية إلى البرتغال من أجل الحصول على وثائق مزورة قبل نقلهم للعمل في دول أوروبية أخرى. وبحسب التقرير فإن معظم النساء والأطفال الذين يتم استغلالهم جنسياً يأتون من غرب إفريقيا.

ويرى كاتبو التقرير أن البرتغال “أصبحت طريقاً جديداً في منطقة شنغن لشبكات إجرامية في جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى والتي تستغل النساء والأطفال جنسياً أو تستخدمهم في العمل القسري”. وغالباً ما يقع الأطفال المنحدرون من أصل غجري ضحية شبكات التسول القسرية.

ويعتبر فيليبي موتاس، الضابط بالحرس الجمهوري الوطني البرتغالي في حديث لرويترز أن “الاتجار بالبشر ظاهرة تقلقنا حقاً”. ويقول ذلك بينما يقوم فريقه بمداهمة على مزرعة للتوت مساحتها 40 هكتاراً في ألينتيخو.

لكن صاحب المزرعة أكد أنه لا يقوم باستغلال أحد في العمل، مبرراً بأن البلغاريين والتايلنديين الذين يعملون في الحقل هم من أتوا إليه يطلبون العمل.

وفي مداهمة أخرى في بلدة بيجة القريبة في بداية العام، عثرت الشرطة على 26 ضحية للاستغلال واعتقلت ستة رومانيين، في أكبر عملية ضد مكافحة هذه الظاهرة حتى الآن.

وفي عام 2017 قامت السلطات بأكثر من 4500 عملية مداهمة في إطار مكافحة الاتجار، وكشفت استغلال 175 شخصاً. ويرى رئيس دائرة الهجرة في البرتغال أن الحكومة بحاجة إلى عدد أكبر من المتعاونين من أجل مكافحة هذه الظاهرة، حيث لا يتوفر حتى الآن سوى 20 متعاوناً في جميع أنحاء البلاد.

ورغم الازدهار في القطاع الزراعي في البرتغال، تزداد هجرة الشباب من المناطق الريفية إلى المدن، ما يزيد الحاجة لأيدي عاملة تعمل في المزارع، وهذا بدوره يزيد من احتمال حدوث الاتجار بالبشر.

وتعتمد بعض الأعمال الزراعية، مثل قطف الزيتون والفراولة بشكل متزايد على العمالة الرخيصة من أجل تلبية متطلبات السوق. يقول رئيس دائرة الهجرة في البرتغال: “هنا تجد التهريب والاتجار”.

dw

Exit mobile version