يبدو أن قادة المؤتمر الوطني وقواعده لم يستوعبوا ما جرى ويجرى حولهم من أحداث ظلوا يتعاموا عنها ويتجاهلونها ظناً منهم بان مقاليد الأمور لا تزال بين أيديهم يقلبونها أنى شاءوا، فرغم توقعهم لمثل ما أقدم عليه البشير وإلتقاطه للقفاز قبل أن يسبقه عليه صقور الحزب التي تدرك الآن تمام الإدراك أن الأمر هذه المرة ليس مراوغة لكسب الوقت وإلهاء الناس، نعم يدرك ذلك قلة قليلة من قادة الوطني، وموقنون بأن ما أقدم عليه البشير ما هو إلا إنقلاب جديد مثل ذلك الذي أبعد عراب الإنقاذ عن سدة الحكم، وأحاله الى سجين مطارد، وإن كان الوضع هذه المرة مختلفاً بلجوء البشير إلى مؤسسته والاحتماء بعرين الجيش..
أما البقية ومن تبعهم فلم يستوعبوا وحق لهم أن لا يستوعبوا فهم غيهم يعمهون، ولكن حتما ستريهم مقبل الأيام ما لا يسرهم ..
والمتابع للأحداث منذ تفجر الأزمة وإستحكامها يدرك جيدا أن المواجهة ستكون متعددة الجبهات، فالحزب وتوابعه مواجهون الآن بغضبتين غضبة الشارع وغضبة البشير رئسهم المُتخلي عنهم، وكذلك البشير مواجه بالحراك الشعبي الذي أجبره تصاعده على إصدار قراراته الاخيرة ..
وحسب إعتقادي فأن بعض قادة الحزب لن يستسلموا أو يغضوا الطرف عن ما أتخذه البشير من قرارات أبعدتهم وجعلت منهم مجرد (جلابيب) لا يملكون حولاً ولا قوة في صنع القرار، ويمكنهم ومن خلال ما أكتنزوه من أموال أن يحكموا الخناق أكثر على الواقع الإقتصادي المتأزم، حتى يثأروا لسلطتهم الموؤدة، وهنا لا أستبعد أن يستخدم البشير سلاح الطوارئ في مواجهتهم لتحجيم نفوذهم الاقتصادي، والزج بالعديد منهم في غياهب السجون بحجة محاربة الفساد، وإن كنت أستبعد هذا الاحتمال الا أنه وارد حال شعوره أي البشير بأي مهدد من قبل الحزب .
أما الشارع فهو صاحب الفعل منذ ديسمبر الماضي، وكل ما يحدث الآن هي ردود لفعل الشارع الذي سبق الجميع، وتسنم ذروة السيادة على من سواه، وبإمكانه في غضون الأيام القليلة المقبلة حسم (المباراة) لصالحه، طالما واصل في الاحتجاج السلمي الذي أربك جميع حسابات السلطة، وهز العرش المتهاوي .
*الصورة أعلى الخبر (الرئيس السوداني يتوسط حكام الولايات الجدد يوم الأحد 24 فبراير 2019)