مغادرة آخر جنرالات مجلس قيادة ثورة الإنقاذ بكري حسن صالح.. الخروج من القصر

الخرطوم: السوداني

مفاجأة كبرى كانت حديث الشارع أمس، بمغادرة آخر جنرالات مجلس ثورة الإنقاذ الوطني للقصر الجمهوري، بعد (30) عاماً من تواجده في الدائرة الضيقة التي تحيط بالرئيس البشير، وتقلده للعديد من المناصب (إدراة الأمن، وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، وزارة مجلس الوزراء، رئيس الوزراء، وأخيراً النائب الأول لرئيس الجمهورية).
(السوداني) تعيد نشر البروفايل الخاص بالفريق أول بكري حسن صالح.
بنظارة سوداء يطلق لعينه الحادة المدى لمراقبة كل شاردة وواردة، يمازحك بصوتٍ مرتفع ولكن درجة الصوت تتحول للهمس أول ما يبدأ التحدث في العمل الرسمي.
في نهاية الأربعينيات فتح بكري عينيه على الدنيا في منطقة حفير مشو بالولاية الشمالية، انتقل بعدها مع والده ليعانق البحر الأبيض المتوسط بالإسكندرية ليعود ويواصل دراسته بمدرسة دنقلا الثانوية؛ ليلتحق بالحركة الإسلامية على حسب مقربين حيث سبقه بالمدرسة الإسلامي كمال علي مختار ويزامله الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين، وفور تخرجه عمل بوزارة الغابات ليلتحق بعدها بالكلية الحربية الدفعة (24) التي أخذت طابعاً مميزاً بعد أن أتت في أعقاب ضرب الشيوعيين ومحاولة مايو لإعادة تأسيس الجيش وفقاً لتقاليد جديدة في العمل العسكري عبر تكثيف التدريب، وقد انعكس ذلك الأمر على بكري نفسه وحول حياته من رجل بسيط؛ إلى رجل تحكم في مصير دولة بأكملها مع إخوته وغير مجراها.

الرجل المظلي
طوله الفارع سهل من تدريباته بالكلية الحربية لينضم لقوات النخبة فيها وهي سلاح المظلات ويأخذ الماجستير من كلية القادة والأركان، وفي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات كانت القوات المسلحة تشهد استقطاباً حادَّاً بين عدد من التيارات الإسلامية والليبرالية لينمو بشكل سري التنظيم الخاص بالضباط الإسلاميين الذي كان بكري عضواً فعالاً فيه، حتى تأتي ساعة الصفر ليكتمل البناء المخططي للانقلاب في فجر 30 يونيو 1989م يقف ذاته – المقدم وقتها – بكري حسن صالح حيث كان (الضابط العظيم) يومها في البوابة الشرقية للقيادة العامة قائداً لوحدة القوات الخاصة بالقوات المحمولة جوَّاً، وعمل على بسط السيطرة على القيادة العامة بمدها بعدد من الدبابات لينجح التحرك وتستقر البلاد في أيدي الضباط تساندهم الحركة الإسلامية، ليبدأ بعدها ذلك الفتى القادم من حفير مشو رحلته مع السلطة ودروبها.
عندما كان عراب الانقلاب وقتها د. حسن الترابي يمارس التمويه من داخل سجن كوبر، كانت لجنة مصغرة تضم بكري تعمل على إدارة أوضاع البلاد وتثبيت أركان الحكم، ليتقلد بعدها أول مناصبه الرسمية وهو مدير جهاز الأمن الوطني، ليصبح بعدها مستشاراً للرئيس للشؤون الأمنية وبعدها وزيراً للداخلية؛ حيث يقول واحد ممن عملوا معه في تلك الفترة – فضل حجب اسمه- إن بكري لم يكن يعطي مساحات لمن يعمل معه ليشكل تقارباً شخصياً لدرجة معرفة أدق تفاصيل تعامله الذي يأخذ في شكله الظاهري الجدية والانضباط العسكري في التعامل، وإنه يجيد التعامل مع المطبات والحالات الصعبة، ويتصرف بما يتاح له من خيارات، ولكن أكثر ما يعيبه في تلك الحقبة البطء بعض الشيء ويأخذ وقتاً طويلاً في اتخاذ القرارات ولكنها تخرج متماسكة، ولكنه لم يدخل أي تعديلات كبيرة في الوزارة وحافظ على ما هو قائم من تقاليد عمل في الوزارة، مشيراً إلى أن الرجل لا يحب الوساطات.
أثناء عمله بملف جبال النوبة بعد توقيع بروتوكول المنطقة، كوَّن علاقات كبيرة وواسعة مع قيادات من أبناء النوبة، ودائماً يقيم إفطاراً رمضانياً سنوياً لهم بمنزله بجانب احتفاظه بعلاقات طيبة مع عدد من القيادات المجتمعية والقبلية في البلاد.

محنة الإسلاميين
عندما عصفت رياح الخلاف بين الشيخ وحوارييه تكتل عدد من الإسلاميين يتقدمهم علي كرتي وسيد الخطيب وغازي لتخرج مسودة مذكرة العشرة التي قسمت النظام وقبلها الحركة الإسلامية؛ حيث كان وقتها بكري حسن صالح وزيراً للرئاسة، وكان لابد أن تمر عبره هذه المذكرة قبل أن تدخل للرئيس البشير. وعندما جاءوا إليه بها طالب بقراءتها، وفاجأهم بالتوقيع عليها ليكون هو العسكري الوحيد الموقع على المذكرة، ويوفر لها الحماية، وهذا الجميل لا تنساه له الحركة الإسلامية التي انتخبته نائباً للأمين العام مؤخراً، وهي خطوة تمت قراءتها بأنها التي رفعته لمنصب النائب الأول للرئيس، ويرى البعض أن إدخال بكري في الحركة الإسلامية حتى يكون هناك (مراقباً) لأوضاع الإسلاميين كثيري القلق.

الجنرال التنفيذي
كل الذين تحدثوا لـ(السوداني) في تقييم أداء بكري كانوا يركزون على أنه رجل تنفيذي من الطراز الأول، لكنه يجيد أن يكون الرجل الثاني، وهذا ما جعل الرئيس يثق فيه أكثر، لذلك ظل في الدائرة الضيقة التي تحيط بالبشير طوال السنوات الماضية بجانب عبد الرحيم محمد حسين، ولكن البعض يرى أن من شأن ذلك أن يخصم منه على المدى الاستراتيجي، بجانب شخصيته غير الجماهيرية لم يرصد له أن تحدث بشكل مكرر في خطابات جماهيرية وهذا قد يرجع لشخصيته العسكرية الأمنية تجعله يكره فلاشات الكاميرات، وهذا بالطبع يقلل من أدائه السياسي.

حارس القصر
بسياسية النفس الطويل يدير الفريق أول/ بكري الملفات في القصر الجمهوري بموجب تكليفه بكل ما هو مُتعلِّق بالمهام الرئاسية الخارجة من القصر، ويقوم بالدور التنسيقي مع الجهات التنفيذية، لكن اكتسب موقعه بعداً آخر بعد اتفاق السلام الشامل في 2005م؛ حيث كان قبلها في منصب وزير الدفاع وتشكلت مؤسسة الرئاسة، وجلس في المكتب المجاور للبشير أشهر أعدائه السابقين من قيادات الحركة الشعبية – الملاحظ أن بكري لم يكن متحمساً لاتفاق السلام ويعتبر أن تنازلات كبيرة قُدِّمت – وفي تلك الفترة قيَّم أداء بكري بأنه شكل حائط صدٍّ لكثير مما يجري في القصر الجمهوري، واستلم مهمة التنسيق بين المفوضيات التي شُكِّلت بموجب الاتفاق، خاصة ملف التسريح وإعادة الدمج. وأشارت مصادر إلى أنه كان يكلف بمهام خاصة من الرئيس البشير داخلية وخارجية ولكنها تبقى في إطار السرية ولا تخرج للعلن، ويرى البعض في هذا الملف أن الرجل تسرع أكثر من اللازم في إنجاز بعض الأعمال في فترة عمل المفوضيات ولم يتعامل معها بسياسة خاصة في عملية التسريح التي وصفت بـ”المتسرعة”، كذا الحال إبان توليه منصب رئيس الوزراء.
أثناء فترة عمله بالقصر أشار المقيمون إلى أن الرجل لم يُجرِ حركة تحديثية في جوهر عمل القصر وأنه يستمر بنفس التقاليد السابقة، مُرجِعين ذلك لشخصية بكري التقليدية، مشيرين إلى أن هذا الأمر انعكس على ما يخرج من القصر طوال الفترة الماضية، ولا يعرف إذا كان يستخدم الإيميل، إلا أن مصادر تقول إنه يستعين بمساعدين يقومون بالمهام بأكثر الطرق حداثة. يعتبر أهم الملفات التي قام بتنفيذها بكري هي عملية تأمين تحركات الرئيس البشير وسفرياته الداخلية والخارجية.

الخروج الأخير
الجميع أجمع على أن احتمالية خروج الفريق أول ركن/ بكري حسن صالح من التشكيلة الوزارية والقصر الجمهوري، أمر صعب أو حتى من كابينة القيادة العليا لأنه ومنذ قدوم حكومة الإنقاذ لم يخرج من الصف الأول، وهو يعد الأخير من قيادة مجلس الثورة، إلا أن تعيين الفريق أول/ عوض بن عوف أمس في منصب النائب الأول للرئيس ووزير الدفاع؛ كتب نهاية رحلة رجل الإنقاذ الكتوم طوال (30) عاماً.

صحيفة السوداني.

Exit mobile version