ابتسم من فضلك

احتار العلماء في كنه بسمة الطفل في شهوره الأولى وهو في المهد فقد عُرف عن الإنسان أنه يخرج للحياة الدنيا باكياً. وبسمة الطفل الغرير بسمة لها حلاوتها وطعمها الخاص تسعد من حوله ويبتسم ويفرح على إثرها الحضور.. وقد ذكرها الشاعر أبو القاسم الشابي في قصيدته الشهيرة عن الوادي النضير:
كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير
فضية الأسحار مذهبة الأصائل والبكور
كانت أرق من الزهور ومن أغاريد الطيور
وألذ من سحر الصبا في بسمة الطفل الغرير

والابتسامة فضلاً عن أنها (صدقة) كما ورد في الحديث الشريف، فهي وحدها التي تجعل الوجه مشرقاً وجميلاً لما لها من الدلالات والمعاني ما لا يحصى.
ولما عجز العلماء عن معرفة أسباب ودوافع الطفل في ذلك العمر المبكر وهم يعلمون أنه لا يفهم ما يقال له ذهب الخيال الشعبي لسرد تحليلات طريفة هي من نسج الخيال فقط، فقالوا إن الملائكة تقول للطفل وهي تداعبه: (أمك ماتت)، فيضحك، ثم تقول له (أبوك مات) فيبكي!!, ويعزون ذلك إلى أن الطفل حين يقال له أمك ماتت يقول لهم: (اسع أنا كنت برضع فيها).. أما أبوه فربما يكون بعيداً عنه وطافش!!.. هذه المقولة غالباً ما تكون من نسج خيال المرأة لتعزز مكانتها الكبيرة عند الطفل وهي معلومة.
عموماً أسرار الابتسامة وأنواعها لا يمكن رصدها وإحصاؤها. فهي ذات معان ودلالات قد تثير الابتسامات والضحك في آن واحد، فالابتسامة والضحك صنوان قد يولد الأخير بعد الابتسامة مباشرة باعتبار أن الضحك امتداد أو انفجار للابتسامة.
دعونا نرصد بعضاً مما سمعناه عن البسمة والضحك لندرك ما وراء ذلك في الحالات التالية:

إذا رأيت أنياب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
ورا البسمات كتمت دموع
بكيت من غير تحس بيا
اضحك تضحك الدنيا معك
إبك تبك وحدك
الضحك بلا عجب قلة أدب!!
فلان صرف ليهو (الضحاكات).
فلان ابتسمت له الدنيا
الزهور بسمت لينا
ابتسم من فضلك.. أنت تدخل على مدينة أمدرمان
والأمثلة كثيرة يضيق المجال لذكرها، ولكن من هذه النماذج تستطيع تحليل (نوع) أي بسمة وأسبابها
حكاية طريفة مشهورة تقول إن رجلاً استدان من صاحبه مبلغاً من المال، ثم ماطل في الوفاء بسداد الدين، وأخيراً جاء الدائن غاضباً يطالبه بالسداد فوراً فقال المدين لصاحبه:

هون عليك ولا تغضب.. تعال وراي لأطمئنك على أنني سأسدد لك كل دينك، وأوقفه أمام نخلة صغيرة وقال له: هذه النخلة زرعتها من أجلك.. وبعد أن تكبر وأجني ثمارها أبيعها في السوق وأسدد لك دينك.
إزاء هذا المشهد العجيب انفجر المدين ضاحكاً، بالرغم من (غضبه)
فقال له الرجل: تضحك عشان ضمنت قروشك؟! فازداد الرجل ضحكاً..
يا ترى أي نوع من (الضحكة) تلك يمكن أن تحللها؟!
نوع من الابتسامات تسمى (البسمة الصفراء).. تلك التي قد تجدها بين بعض الساسة.. أو الدبلوماسيين وهم يعلمون أنها (تصنّع) ومجاملات فقط.. المضحك أن كلاً منهم يعرف أن بسمة نظيره ليست من الأعماق وليست (صادقة).. فإذا اشتدت وتيرة المكر بينهما انفجر أحدهما (ضاحكاً)، وهذه أيضاً لها دلالات عميقة.

البسمة الصفراء لعلها تشبه ورقة الشجرة حينما تصفر فهي آيلة للسقوط سريعاً ولا تشبه نضرة الأوراق المخضرة اليانعة.
من المعاني الشائعة بين العامة أن يقول أحدهم للآخر (إنت”ضحكت” عليّ وغشيتني وما اوفيت بوعدك).. فالضحك هنا معنى وليس واقعاً، وهو بمعنى السخرية والخداع.. لأن الضحك أيضاً فيه الضحك الساخر.. أو الخادع.
إن أحلى بسمة هي بسمة الطفل الغرير وأشقى بسمة هي بسمة السياسي المكير. وأعمق ضحكة في قبضة (الضحاكات) وأروع ضحكة هي ضحكة النجاح والتميز وأسوأ ضحكة هي ضحكة الشماتة وأنبل بسمة هي بسمة الرضا بالمقسوم وأخطر ضحكة أن تضحك على أخيك فيعافيه الله ويبتليك.
وأكرم بسمة أن تبتسم في وجه أخيك.
وتبسمك في وجه أخيك صدقة كما يقول الحديث الشريف.
ابتسم في كل الأحوال يا صديقي!!
فالأفضل دائماً أن ترسم لوجهك صورة رائعة في قلوب الناس أجمعين.. لأن الحياة ترسم معنى (الوداع) في كل لحظة وحين.

صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version