البشير في القصر.. قراراتٌ مفصليّةٌ

مُحلِّلون: القرارات سيكون لها مردودٌ إيجابيٌّ لدى المُواطنين وإقليميّاً ودوليّاً

مُراقبون: قرارات الرئيس استجابة للمُبادرات ولما يطلبه الرأي العام

خُبراء: إعلان حالة الطوارئ في الظروف الحالية لا بُدّ منه وبطريقة لا تخلق فوضى

الخرطوم: عوض جاد السيد

التّكَهنَات الكثيرة التي سبقت خطاب الرئيس عمر البشير أمس، كانت تُشير إلى أنّ قرارات مُهمّة ستصدر مساء الجمعة 22 فبراير، وسادت حالة من التّرقُّب والاهتمام في الأوساط المُختلفة، انتظاراً لما تسفر عنه اجتماعات الرئيس المُكثّفة التي جرت خلال يوم أمس مع ولاة الولايات والوزراء والمسؤولين بالدولة، بجانب اجتماع المَكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، وجَاءت كُلّ هذه التّحرُّكات في تَوقيتٍ تَمُور فيه السّاحة الدّاخليّة بحراكٍ سياسي ساخنٍ، وتشهد فيه الخرطوم وعدد من المدن استمرار الاحتجاجات لأكثر من ستين يوماً، والتي ارتفع سقفها إلى المُطالبة برحيل الحكومة، وسط كل هذا الخضم المُتلاطم جاءت قرارات الرئيس عمر البشير التي تلاها في خطاب للأمة السودانية من حدائق القصر الجمهوري أمس، على مُستوى عالٍ من التّأثير في المشهد العام، وتُشير إلى أنّ الفترة المُقبلة ستشهد الكثير من المُتغيِّرات التي تُؤثِّر على حَاضر ومُستقبل البلاد.

عدم التّرشح

أبرز وأهم القرارات التي أصدرها الرئيس عمر البشير أمس، دعوته للمجلس الوطني لتأجيل النظر في التعديلات الدستورية المَطروحة على منضدته لإتاحة المجال لمزيدٍ من التشاور مع القوى السياسية حول التعديلات، وجدّد البشير العهد أمام المُجتمعين في القصر الجمهوري، بأن يقف في منصّة قومية هي رئاسة الجمهورية ليكون على مسافة واحدة من الجميع ولشمول كل الوطن، ويُشير الإبقاء على الدستور الانتقالي لسنة 2005م كما هو من دُون تعديل، إلى أن عدم ترشح البشير لدورة جديدة في 2020م، بات أمراً واقعاً.

وبرأي خُبراء ومُحللين سياسيين، فإنّ هذا القرار يُشير بجلاءٍ إلى عدم نيّة البشير التّرشح في انتخابات العام 2020م، مع ترك رئاسته لحزب المؤتمر الوطني ليسمح للحزب باختيار رئيسٍ جديدٍ ومُرشّح عنه في الانتخابات القادمة.

كَمَا أّن لهذا القرار بجَانب قَرار تكوين حكومة مهاماً جديدةً من كفاءات وطنية مُقتدرة، له انعكاسات داخلية وخارجية، وفق ما يرى المحلل السياسي الاسترايتجي اللواء د. عبد الرحمن أرباب، والذي قال لـ (الصيحة) أمس: أعتقد أنّ القرارات يُمكن أن يكون لها مردودٌ إيجابيٌّ لدى المُواطنين إلى حدٍّ كبيرٍ، ولبّت أشواق كثير من المُحتجين، خاصةً قومية الرئيس باعتبار أنه سيكون رئيساً قومياً، الأمر الذي يسمح له بأن يقف مع الأحزاب الأُخرى – غير المؤتمر الوطني – على مسافة واحدة، وأضاف أرباب بأنّ قرار تكوين حكومة كفاءات يعني عملياً خُرُوج عددٍ كبيرٍ من أعضاء الحكومة الحالية بمن فيهم منسوبين للمؤتمر الوطني، ما يعني أنّها ستكون حكومة تكنوقراط قومية وهو أحد المطالب التي خرج من أجلها الناس في احتجاجات، وتابع بأن هذا الأمر سيكون له أيضاً انعكاس إيجابيٌّ على الصعيدين الإقليمي والدولي.

من جهته، قال المحلل السياسي د. مهدي دهب أستاذ العلوم السياسية، إنّ هذه القرارات الأخيرة تبدو كحل للأزمة القائمة حالياً، ونوّه إلى أنّ المُؤشِّرات في الفترة السابقة كانت تُشير لحالة من الاحتقان السياسي، وأضاف بأنه كانت هنالك صراعات داخل مراكز قوى في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، مع حالة الرفض والاحتجاجات التي كانت في الشارع، وقال دهب لـ (الصيحة) أمس، إن قرار الرئيس بعدم رغبته في الترشح مُجَدّدَاً يبدو كمحاولة للمحافظة على تماسك النظام الحالي، فحتى لو لم يترشح هو في 2020م يؤمن استمرارية النظام بنفس الملامح السَّابقة.

لكن دهب توقّع أن تُواجه استمرارية النظام الحالي بحالة من الرفض من الشارع، على اعتبار أنّ الأزمة الحالية سببها هو حالة الرفض للمنظومة الحَاكمة، وبالتّالي فإنّ تخلي الرئيس عمر البشير عن الترشيح وعن حزب المؤتمر الوطني لن يحل أزمة السودان بصورة نهائية، لأن مطالب المحتجين هي تفكيك منظومة الحكم والدولة العميقة، وبدون حدوث انفصال كامل بين المؤتمر الوطني والدولة، فإنّ الأزمة لن تُحل.

ورأي المُحلِّل السِّياسي البروفيسور حسن علي الساعوري أستاذ العلوم السياسية، أنّ قرارات الرئيس البشير هي استجابة لما يطلبه الرأي العام بصُورةٍ عامةٍ، وما يطلبه بعض الرأي العام داخل حزب المؤتمر الوطني، وأشار إلى أنه كان هناك رأيٌ داخل الحزب بألا يترشّح البشير مُجدّداً، والذين خرجوا إلى الشارع أيضاً يرون ذلك، وقال الساعوري لـ (الصيحة) أمس، إنّ الرئيس تنازل بهذه القرارات لتجاوز الأزمة الحالية.

حل الحكومة والطوارئ

ومن القرارات المُهمّة التي صدرت يوم أمس، قرار حل الحكومة المركزية وحكومات الولايات وتكوين حكومة كفاءات وطنية، وبَدء حَملة جديدة لمُكافحة الفساد، بجانب إعلان حالة الطوارئ في أنحاء البلاد. ويُقرأ من هذا القرار أنّ البلاد تتّجه إلى مرحلة مُختلفة بعد الإقرار بعدم تمكن الحكومة الحالية من حل الإشكالات السياسية والاقتصادية، ما أزّم الأوضاع وأوصلها مرحلةً مُتأخِّرةً، وعمّق من مشاكل البلاد، ومَعلومٌ أنّ قانون الطوارئ حَقٌ كَفَلَهُ دستور السودان الانتقالي لرئيس الجمهورية والنائب الأول في المادة (210) عند حُدُوث وقائع تُهدِّد سلامة واقتصاد البلاد سواءً كانت حرباً أو غزواً أو حصاراً أو كوارث طبيعية أو أوبئة تهدد بتوقف النظام العام، على إثرها يقوم الرئيس بإعلان إيقاف السُّلطة القضائية للدولة، وتتوقّف على إثرها الحياة الاجتماعية والسياسية، إضافةً إلى تعليقها الحقوق المدنية العادية، ويطلب من المواطنين القيام بإجراءات مُحدّدة، كما يمكن تغيير العمليات الحكومية، وتستمر فترة حالة الطوارئ حتى يقرر رئيس الجمهورية أنه لا حاجة إليها وأن التهديد قد زال.

ويمنح الرئيس حق إصدار قرار بفرض الطوارئ في أي حالة تُشكِّل في نظر رئيس الجمهورية تهديداً وشيك الوقوع على السودان أو السلامة العامة أو حياة المُجتمع أو جُزءٍ عَامٍ منه، ووفقاً لأحكام الدستور يعرض كل إعلان على المجلس في مدى ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره ليقرر ما يراه بشأنه، ويظل الإعلان سارياً إلى أن ينتهي أجله ويصدر رئيس الجمهورية إعلاناً يلغي بمُوجبه الإعلان الصادر.

ويقول اللواء د. عبد الرحمن أرباب، إنّ إعلان حالة الطوارئ في الظروف الحالية لا بُدّ منه، خَاصّةً وأنّه يتوقّع تحركات معارضة وتجمُّعات ممنوعة، الأمر الذي يتطلب استخدام الطوارئ بطريقة لا تخلق فوضى، ويشير كذلك إلى أن تكوين حكومة كفاءات يعني خروج كثيرين، ورغم أنه أمرٌ جيِّ،دٌ إلا أنه في نفس الوقت قد لا يمر مرور الكرام لدى بعض الناس، وأضاف أرباب بأنّ حالة الطوارئ مقصودٌ بها عدم حدوث مُعارضة للقرارات من أيِّ طرف، وقال أرباب إنّ الوضع الحالي يحتاج إلى عُقلاء من كل المستويات حتى يساعدوا في تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية، وتقريب وجهات النظر وتهدئة خواطر بعض المُحتجين والمُتطرِّفين الذين قد لا يقبلوا بالتطورات الجديدة.

بدروه، قال البروفيسور حسن الساعوري، إنّ قرار تشكيل حكومة كفاءات هو مطلبٌ ورد في كل المُبادرات التي قُدِّمت من أجل حل الأزمة، وأشار إلى أنّه حتى تجمُّع المهنيين المُعارض نفسه طَالَبَ بذلك، وبالتالي هي استجابة لتيارٍ عامٍ مُعارض، واعتبر أنّ قرار الرئيس بعدم الترشح عن المؤتمر الوطني كان يجب أن يتم منذ أن اُنتخب رئيساً، ويفترض أن ينأي بنفسه عن الحزب الوطني ويكون رئيساً قومياً.

لكن المُحلِّل د. مهدي دهب يرى أنّ إعلان حالة الطوارئ قد يزيد من حالة الاحتجاجات في الشارع، إلا إذا كانت هنالك مُفاجآت أُخرى، وقال إنّه إذا حَدَثَ فعلياً وشكّل الرئيس حكومة كفاءات، وفصل بين حزب المؤتمر الوطني والدولة، فيمكن أن يكون هنالك أساسٌ سلسٌ لتحوُّل ديمقراطي، لكن إذا تخلى الرئيس البشير عن الترشح وحزب المؤتمر الوطني مع استمرار المنظومة وبنفس العناصر مع فرض حالة الطوارئ فربما تكون هنالك مشكلة، وأشار إلى أن فرض الطوارئ يعني تعطيل العمل بالدساتير، الأمر الذي يتطلّب وجود منظومة قضائية عادلة وتفكيك مراكز القوى في الدّولة العَميقة.

ويقول د. مهدي دهب، إنّ الإعلان عن حَملة جَديدة لمُحاربة الفساد باعتبار أنّ الفساد جزءٌ من الأزمة مقروءة مع إعلان البشير عدم الترشح تُعتبر نقاطاً إيجابية، لكن هذه الخطوات بحاجةٍ إلى خطوات للفصل بين الدولة والمُؤتمر الوطني ليكون مثل الأحزاب الأخرى، ويكون على قدم المساواة مع الأحزاب الأخرى، وبهذا يصبح ما حدث تغييراً سياسياً شاملاً، لكن بدون ذلك فلن يكون التغيير شاملاً ويَحل الأزمَــــــــة.

صحيفة الصيحة.

Exit mobile version