في ظل التطورات التي تشهدها الساحة السياسية، عادت سيرة مكافحة الفساد فيما يعرف بحملة (القطط السمان)، إلى الواجهة من جديد، باعتبارها جزءاً من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تحاصر البلاد هذه الأيام، علاوة على الدعوات المتلاحقة بمحاسبة المفسدين، والشاهد أن الحملة الأولى لمكافحة الفساد كانت في فبراير الماضي، أما الحملة الثانية فكانت عقب افتتاح الرئيس البشير لمقر لجنة التحقيقات في قضايا الفساد، والآن يطالب الرئيس بمده بملفات الفساد في خطوة تدلل على أن المكافحة هذه المرة ستكون أكثر فاعلية من سابقاتها، خاصة وأن الحملة قد أصابها البطء خلال الفترة الماضية، مما جعل كثيرين يتساءلون أين (القطط السمان) الذين أعلنت عنهم الحكومة.
الحملة الثالثة
في فبراير الماضي، شدد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير على الاستمرار في محاربة الفساد ومطاردة (القطط السمان)، وأكد أن تلك الحرب لن تتوقف حتى تحقق أهدافها، وبعدها بعدة أشهر افتتح مقر لجنة التحقيقات في قضايا الفساد، وأوضح أن حملة مكافحة الفساد ستطال كل من ثبت اتهامه بالفساد، والآن ومن جديد يعود الرئيس البشير إلى ذات التوجيهات للأجهزة المختصة بمده مباشرة بملفات الفساد التي بحوزتها عن المتجاوزين من المؤسسات والأفراد بالحكومة، وتعتبر هذه الحملة الثالثة للرئيس في غضون عام منذ فبراير من العام الماضي.
وفي ذات السياق أكد رئيس الوزراء ووزير المالية معتز موسى استمرار مساعي السودان لمحاربة الفساد ومكافحة غسيل الأموال وتطبيق الحكم الراشد، وجاء حديثه متزامناً مع طلب الرئيس البشير، في إشارة إلى تحرك الحكومة الجديد القديم لمكافحة الفساد.
رؤوس في قفص الاتهام
الشاهد أن هنالك رؤوساً دخلت قفص اتهام الفساد في الفترة الماضية، بينهم مدراء بنوك وموظفو دولة ومسؤولون كبار في أجهزة الدولة وبعض المؤسسات، إلى جانب مدراء بعض البنوك، وزير مالية أسبق ، حول قرض ميسر، منحته دولة قطر للسودان بقيمة (120) مليون يورو.
بالإضافة إلى قضية ضابط بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وصفقة بيع بنك الثروة الحيوانية التي تملك الحكومة أغلبية أسهمه، وهو من البنوك المتخصصة أنشئ في عام 1992 بغرض دعم وتمويل الإنتاج الحيواني والتصدير.
السؤال الذي يطرح نفسه.. ما هي الرؤوس الجديدة التي سوف يتم تسليم ملفاتها إلى الرئيس بحسب طلبه؟
اختبار صعب
لأن القضية معقدة وما زال الجدل فيها قائماً، وبحسب محللين سياسيين أكدوا في أكثر من مرة أن حملة مكافحة الفساد تحتاج إلى آلية أكثر فاعلية، منوهين إلى أهمية إنشاء مفوضية مكافحة الفساد التي أجيز قانونها في العام 2016، والتي لم يتم تشكيلها حتى الآن، وأكدوا على أهمية الحد من الحصانات باعتبارها عائقاً أكبر في طريق مكافحة الفساد، لكنهم رغم ذلك تفاءلوا بأن الأحداث والتطورات الراهنة قد تدفع إلى فعالية حملة مكافحة الفساد، للدرجة التي تمكنها من الوصول إلى رؤوس أخرى سواء في الحكومة أو حزب المؤتمر الوطني، خاصة وأن الحملة بدأت في تسلسل حلقات التحقيق التي قد تجلب آخرين، بالرغم من أنها ستضع نفسها أمام اختبار صعب، وذلك يرجع إلى أن حجم الفساد أكبر بكثير من الجهود التي تقوم بها الحكومة حتى الآن.
الشفافية والحريات
الجانب القانوني يقول فيه المحامي نبيل أديب إن الإجراءات المطلوبة لمكافحة الفساد لا بد من أن تتعلق بتطبيق الشفافية وإتاحة الحريات في تنفيذ القانون دون تدخل أو إعاقة أو حصانة بحسب ما هو وارد في القانون، وإلا سوف تفشل أي حملة لمحاربة الفساد بسبب التجاوزات وعدم الشفافية، وأكد نبيل لـ(آخر لحظة) أن حديث الرئيس البشير وطلبه لملفات الفساد يحتاج إلى معرفة ماذا سيحدث حتى يمكن الحكم على هذا الطلب، مشيراً إلى أن هنالك حملات سابقة ومحاكمات سابقة لفاسدين لم يتم فيها اتخاذ أي عقوبات، وشدد أديب في حديثه للصحيفة، على ضرورة تطبيق مبدأ الشفافية والحريات حتى تكون المحاكمات عادلة.
تقرير: عيسى جديد
صحيفة اخر لحظة.