إحصائية أممية: الخرطوم الأكثر فقراً .. والشمالية الأقل
اقتصادي :الفساد وتدني التعليم و (عشوائية) القرارات أبرز المسبّبات
خبير سياسات التمويل الأصغر عقيمة
التنمية الاجتماعية: ليست لدينا دراسات دقيقة ولكن!!
جهاز الإحصاء : العمل والتعليم أهم مؤشرات الفقر
بعد أن قطعت الدول المجاورة شوطاً في توفير المتطلبات الأساسية لمواطنيها من تعليم وعلاج وغيرها من ضروريات الحياة، وتهيئة البنى التحتية، لا تزال البلاد تقع تحت خط الفقر، بالرغم من وجود العديد من الجهات التي تدعي أنها تعمل من أجل تخفيف حدة الفقر المتأصلة في المجتمع، نتيجة غياب الإحصائيات الدقيقة لقياس الفقر، وضعف الدراسات الاجتماعية والاقتصادية في هذا الاتجاه، والمتابع حالة الأسواق يجد أن هناك العديد من أنواع التجارة التي ظهرت نتيجة حالة التقشف التي يعيشها المواطن والذي وصلت مرحلة شراء العظام عوضاً عن اللحوم التي لامست أسعارها السماء، وشراء مخلفات الذبيح من الأبقار ويطلقون عليه بالسوق الشبعي أمدرمان (حاجات بقر)، وهي عبارة عن الأعضاء التناسلية للأبقار وهي مخلفات غير مرغوب فيها، إلا أن المواطن اتجه إليها نسبة للظروف الاقتصادية التي يعيشها، كما اتجه الى شراء فاكهة البطيخ عن طريق الشرائح الصغيرة فقط، لانه لا يملك سعرها كاملة والتي قد تصل إلى (100) جنيه، مما يدل على أننا وصلنا مرحلة متأخرة من الفقر والجوع…
وكشف برنامج الغذاء العالمي حسب إحصائيات دقيقية عن الوضع الاجتماعي للسكان، وأظهرت الدراسة التي أعدت في العام 2018 بأن ولاية الخرطوم من أكثر الولايات فقراً.
*إحصائيات مخيفة
وبحسب الإحصائية التي قامت بها منظمة الأغذية العالمية الفاو، بالتعاون مع وزارة الزراعة حيث بلغ عدد سكان ولاية النيل الأزرق (1012240)، بينما بلغ عدد السكان الأكثر تأثراً بالفقر (136195)، فيما بلغ عدد سكان جنوب كردفان (1393654) وبلغ عدد المتأثرين بالفقر (227640)، وبلغ عدد سكان غرب كردفان (2155969).
أما الأكثر تأثراً بالفقر (169622)، وأما وسط دارفور فقد بلغ عدد سكانها (1908359)، والأكثر تأثراً بالفقر بلغ عددهم (335962)، فيما وصل عدد سكان ولاية شمال دارفور (2075431)، وكان العدد الأكثر تأثراً بالفقر (361018)، وجاء عدد سكان ولاية غرب دارفور (1557238)، وكان عدد الأكثر تأثراً بالفقر (334467)، وبحسب الإحصائية، فإن جنوب دارفور بلغ عدد سكانها (4105398)، وعدد المثأثرين بالفقر (642545)، فيما وصل عدد سكان ولاية شرق دارفور (1316719)، وكان عدد المتأثرين منهم بالفقر (255570)، بينما عدد سكان ولاية البحر الأحمر (1756501)، والأكثر تأثراً بالفقر (307843)، أما ولاية كسلا، فكان عدد سكانها بحسب الإحصائية (2438808)، فيما بلغ عدد المتأثرين (400161)، وجاء عدد سكان ولاية الشمالية (936252)، وبلغ عدد الأكثر تأثراً بالفقر (0) أما عدد سكان ولاية النيل الأبيض فبلغ عددهم (2766038) أما الأكثر تأثراً بلغ عددهم (493525)، فيما بلغ عدد سكان ولاية القضارف (2222024)، وعدد المتأثرين بالفقر (268106)، أما ولاية سنار فبلغ عدد سكانها (1668000) والأكثر فقراً (126820)، أما ولاية الجزيرة بلغ عدد سكانها (5096920) وعدد المتأثرين بالفقر (128799).
فيما بلغ عدد سكان ولاية نهر النيل (1511442) والأكثر تأثرا بالفقر بلغ عددهم (54564)، وقد كان عدد سكان ولاية شمال كردفان (2728200) والأكثر تأثراً بالفقر (495714)، أما ولاية الخرطوم، فكان عدد سكانها (7692340) الأكثر تأثراً بالفقر(1020774). وإجمالي عدد السكان فقد بلغ (44341533) وإجمالي المتأثرين بالفقر (5759425).
حالة اجتماعية
ويرى الخبير الاقتصادي ورئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك حسين القوني، أن الفقر عبارة عن حالة اجتماعية اقتصادية نتيجة لظروف معيشية معينة، وهي ليست قصراً على فئة محددة. وقال القوني إنه وبالرغم من تعدد مناخات السودان وميزاته الجغرافية والاقتصادية المختلفة، إلا أن هناك ارتفاعاً في معدلات الفقر، وأرجع ذلك إلى سيطرة بعض القبائل على بعض المناطق ويعيشون فيها بما يتناسب مع ظروفهم الاجتماعية، وأضاف أن هناك مناطق قابلة للاستثمار الزراعي، إلا أن هناك عدم وجود إمكانيات للاستفادة من تلك الميزات.
*انتشار الأمية
وأرجع حسين القوني ارتفاع معدلات الفقر إلى انخفاض مستوى التعليم في كافة الولايات، والذي يرى أن يكون تقسيمة حسب الكثافة السكانية، بالإضافة إلى عدم وجود تنمية متوازنة، بجانب مشكلة التصحر التي ضربت الولايات خاصة الولاية ذات الإنتاج الزراعي، والتي أدت إلى إفقار عدد كبير من السكان ونزوحهم من مناطقهم إلى أطراف العاصمة وهجرتهم الى مناطق أخرى نسبة الى ظروف اقتصادية فرضت عليهم، واستقرارهم في مناطق ليس لهم بها أي نوع من الخبرات العملية أو الاجتماعية، بجانب عجز الدولة في توفير متطلبات الحياة اليومية، خاصة وأن هناك العديد من الجهات المنوط بها تحسين الوضع المعيشي للفقراء.
*عدم دراسة
كما يرى الخبير الاقتصادي أن كل القرارات والخطط التي تضعها الدولة لتخفيف حدة الفقر هي خطط غير مدروسة، خاصة فيما يتعلق بالدراسات الاجتماعية المستمرة، مع عدم وجود تخطيط استراتيجي. وكشف عن وجود قصور في سياسات التمويل الأصغر والتي اعتبرها (نقطة في بحر)، وتساءل عن عدد المستفيدين منه في ظل وصول عدد السكان إلى (44) ألف نسمة، فيما اعتبر سياسة التمويل الأصغر عقيمة وتحتاج إلى مراجعة.
*عدم تناسب
وانتقد رئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك القوني السياسة العامة لديوان الزكاة باعتباره بيت مال المسلمين، وقال في حديثه لـ”الصيحة ” إن الدعم الذي يقدم لا يتناسب مع حجم السكان والمواراد والإمكانات التي تتوفر له. كما انتقد سياسة الجهاز المركزي للإحصاء والذي يفترض أن يكون له لجان اجتماعية على كل المستويات الولائية والمحلية والمركزية، حتى تكون هناك دراسات مستمرة وإحصائيات دقيقة، معتبراً هذا الأمر من أهم أساسيات درسات الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، واصفاً الجهاز بأنه غير مهتم بمسألة الإحصاء الاقتصادي والسكاني والاجتماعي، كما أنه لا يهتم بالتخطيط في حل الإشكالات، والتي تقع على عاتق المحليات التي تعاني من قلة في الإمكانيات المالية، وضعف في الموارد، مشيراً إلى أن المشاريع التي تطرح لدعم الفقراء لا يكتمل تنفيذها، ويرى أن السبب الأساسي في ذلك الفساد الذي تعيشه البلاد حالياً.
*إفرازات سالبة
وكشف حسين القوني لـ”الصيحة” عن آخر معدلات الفقر كانت 65%، مضيفاً أن هذه الإحصائية قديمة، كاشفاً أن العاصمة صاحبة النصيب الأكبر من تلك الإحصائية، وأرجع ذلك إلى الأعداد الكبيرة من النازحين الذين يعيشون على أطرافها، والتي أفرزت العديد من الظواهر السالبة مثل التشرد والتسول الذي جعل المجتمع متسولاً ومتغير المفاهم، ويعتمد على النساء في توفير متطلبات الحياة.
*حلول مستقبلية
فيما وضع عدد من الخبراء الحلول التي يرون أنها سوف تساهم في خروج المجتمع السوداني من دائرة الفقر، أهمها التخطيط السليم، وتغيير سياسات التمويل الأصغر، وإشاعة روح التعاون للوصول إلى مجتمع منتج، وإلى تبادل الخبرات وتنظيمها، مع تقديم التسهيلات من قبل الدولة بجانب وضع مشرفين على الأعمال التي تنفذ من قبل التمويل الأصغر لتصحيح الأخطاء والانحراف عن الخطط التمويلية، ويرون أن التمويل المصرفي يجب أن يتم منحه عن طريق لجان اجتماعية واقتصادية متخصصة بالأحياء على أن يكون في شكل جمعيات تعاونية في مجالات مختلفة، مشدداً على ضرورة تشجيع عملية الزراعة المنزلية، ونوه إلى ضرورة التوعية الاجتماعية القاعدية.
*ميزانيات صديقة
فيما ترى الباحثة الاجتماعية، ثريا إبراهيم أن هناك ضعفاً في الميزانيات الصديقة للأطفال والتي بدورها تمنع كثيراً من الظواهر، وتحقق الاستقرار النوعي للأطفال، مثل العلاج والتعليم بالمجان، وأضافت لـ”الصيحة”، أن للفقر العديد من الظواهر أهمها التسرب المدرسي والتشرد بشقيه الجزئي والكلي، إضافة إلى انتشار التشوهات لدى الأطفال حديثي الولادة، والأمراض المزمنة وسوء التغذية، والإعاقات إلى جانب وفيات الأطفال والأمهات.
تفكك أسري
وتشير ثريا إلى أن الفقر أيضاً واحد من الأسباب التي تؤدي الى الضغط النفسي مما ينعكس على الأداء في العلاقة الزوجية والأبوية، مما يؤدي إلى التفكك الأسرى.
ومن ظواهره أيضًا انتشار البطالة التي أدت إلى انتشار التسول بالأطفال وعمالتهم الذين باتوا يتحملون أعباءهم المعيشية بصورة كبيرة واستخدامهم في الأعمال التي تعتبر شاقة بالنسبة لأعمارهم. كما أدى الفقر إلى انتشار المخدرات، والأخطر من ذلك بحسب حديثها إنتشار تجارة الجسد بين الفتيات.
*انعكاسات سالبة
فيما أقر مصدر مسؤول بوزارة التنمية والضمان الاجتماعي، بوجود قصور من قبل الدولة فيما يختص بتخفيف حدة الفقر، وقال المصدر لـ”الصيحة” إن الوزارة تعاني من مشكلة في الدراسات المستمرة بكافة مستوياته، والتعاون مع الجهات ذات الصلة في توفير المعلومات اللازمة، وأضاف أن أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد قد انعكست بصورة سالبة على التمويل الأصغر وتنمية الصناعات الصغيرة، مضيفاً أن الوزارة تعمل جاهدة في مسألة الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة عبر ديوان الزكاة، الآن هناك بعض العقبات لم يسمها أدت إلى التوقّف المؤقت لبعض المشاريع الإنتاجية نسبة للأزمة الاقتصادية التي يُعاني منها العالم الآن وليس السودان وحسب.
*ظروف أسرية
لم تكتف “الصيحة” بحديث ذلك المصدر، واتجهت صوب وزارة التنمية الاجتماعية ما إذا كانت تلك الدراسة التي كشفت عنها الصيحة، قد عرضت عليها أم لا، والحصول على آخر دراسة قامت بها المفوضية القومية لتخفيف حدة الفقر، وسلمنا خطابًا إلى موظفة السكرتارية (نشوى)، للإجابة على عدد من التساؤلات التي يفرضها هذا التحقيق، إلا أن السكرتيرة أوضحت لنا أن مديرة المفوضية (فاطمة) مريضة ومن تنوب عنها وهي (حنان) في سفر لأداء واجب العزاء خارج ولاية الخرطوم، ليظل الخطاب قابعاً بالبوستة لأكثر من أسبوعين.
*إحصائية رسمية
كانت آخر إحصائية أجراها الجهاز المركزي للإحصاء من خلال مسح قومي لميزانية الأسرة والفقر في العام 2014م -2015م، وكان المسح الرابع في تاريخ البلاد للأعوام (1968، 1978، 2009م ) من سلسلة الدراسات المماثلة التي أجراها الجهاز. واشتمل مسح العديد من المجالات أهمها الإنفاق واستهلاك الأسر واستهلاك السلع الغذائية والرفاه للأسر بالإضافة إلى الفقر ومعايير تحديده في المجتمع. وبلغ خط الفقر الغذائي في العام (2014م) (2966)جنيه في الحضر و(2698) جنيه في الريف ، فيما بلغ خط الفقر (5110) جنيه للفقر للفرد في العام وفي الحضر بلغت (4044) جنيه في الريف. وبحسب الدراسة بلغ عدد السكان تحت حد الفقر الغذائي في الحضر (2966) وفي الريف(2698) وعدد السكان تحت حد الفقرالمدقع (4124) وفي الريف (3605) والسكان تحت خط الفقر الأعلى في الحضر (5110) وفي الريف (4044) فيما بلغت نسبة الفقر في السودان (36.1%) و(25%) تحت خط الفقر المدقع. فيما كانت الشمالية الأقل فقراً وولاية وسط دارفور الأكثر فقراً، وكانت البطالة المؤشر الرئيسي للفقر.
*استهلاك غذائي
فيما أقر الأمين العام للجهاز المركزي للإحصاء، دكتور كرم الله علي عبد الرحمن، بأن هناك بعض الإشكالات التي تواجه الجهاز في الحصول على المعلومات ، وإن أتيحت فأنها تكون غير صحيحة، معرفاً الفقر بأنه درجة من الحرمان من الاحتياجات الضرورية للإنسان ويختلف من ولاية إلى أخرى. وكشف لـ”الصيحة” المؤشرات التي تحدد الفقر وهي المقياس الأول وله 10 متغيرات بالإضافة إلى (3) أبعاد والمتمثلة في السكن والصحة والتعليم . أما المقياس الثاني وهو يعتمد على الغذاء حيث يحتاج الإنسان إلى 2010سعرة حرارية خلال العام. وأضاف كرم الله أن السودان يعتبر الأعلي بين الدول التي تحيط به من حيث الصرف على الاستهلاك الغذائي ، مشيراً إلى أن المجتمع فقير نسبة إلى ذلك السبب والذي اعتبره أيضاً سبباً في التضخم. وفي آخر مسح كان في العام 2014م كانت الولايات الغربية وولاية البحر الأحمرالأكثر تأثراً بالفقر ، وقال إن هناك مشكلة في ديوان الزكاة و وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي في الدفع المتساوي لدعم الفقراء والذي يحتاج إلى إعادة نظر وفقاً إلى احتياج كل ولاية والتي تحتاج إلى تدخل أسرع بما يتناسب مع حاجة كل ولاية. وبحسب المسح فإن ولايات الشمالية والجزيره ونهر النيل كانت الأقل تأثراً بالفقر.
ووكشف الأمين العام للجهاز القومي للإحصاء عن أهم عوامل الفقر والتي تكمن في عدم العمل والتعليم وشدد على ضرورة الاهتمام بهما للخروج من دائرة الفقر.
وأوضح لـ”الصيحة أن العام الجاري سوف يشهد مسحاً جديداً للفقر بدعم من البنك الدولي بما يسمى بمسح ميزانية الأسره والفقر.
تحقيق: أم بلة النور
صحيفة الصيحة