وعيٌ وجودي ..!!

تمعن معي في عظمة هذه الآيات:
> (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..
> وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى..
> شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ..
> أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ..
> وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)..
> وليست هي عظيمة وحسب… وإنما مخيفة..
> وسبب ما فيها من رهبة تلخيصها لفلسفة الوعي الوجودي..
> فلسفة الجمع بين نقيضين… العدم والوجود..
> فلسفة مخالفة لما درج على قوله الوجوديون عن العدم..
> فالآيات تثبت أن لنا وجوداً (ذا وعي)… يسبق وجودنا (ذا الصرخة)..
> إن لنا قدراً من الوعي… وإن بدا عدمياً..
> وعي أدركنا به وجود الله إذ يشهدنا على أنفسنا في عالمه الأزلي..
> وأدركنا به وجودنا نحن إذ نقول بلى..
> ودلالة وعينا هذا هو الإيمان (الفطري) بالله..
> ثم يضل من ضل منا بفعل أهواء النفس… وإغراء الدنيا… وغواية الشيطان..
> ولكنها ضلالة تغبش الفطرة… ولا تمحوها..
> وفي ذلك يقول الحق: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه)..
> إذن… فالإنسان موجود (وعياً) قبل أن يولد..
> وسوف يوجد (وعياً)… بعد أن يموت..
> ولكن الوعي الثاني هذا يختلف عن الأول بانبعاثه عن ذاته..
> هو وعي بالروح التي هي من روح الله..
> يقول تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)..
> ومن ثم فإن لها شيئاً من خصائصها مع الفارق..
> فالروح حين كانت في الجسد توظف أعضاءه لأغراض وعيها..
> فهي ترى بالعين… وتسمع بالأذن… وتعي بالعقل..
> وعندما تغادر الجسد تكون هي (ذاتها) الناظرة… والسامعة… والواعية..
> ولكن تنعدم صلتها العضوية بعالم المحسوس..
> أو تظل واعية به من وراء حجاب..
> يقول تعالى: (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)..
> ولذلك يكثر الحديث عن نوع من التواصل غريب بين الأحياء والأموات..
> أو في الحقيقة… هم ليسوا أمواتاً إلا بأجسادهم..
> ولكن أرواحهم تبقى حية ذات وعي لا يخضع لنواميس دنيانا..
> وعي لا تحده حدود الزمان… والمكان… والأبدان..
> وتعي كذلك بمصيرها… ثواباً كان أم عقاباً..
> يقول الخالق: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا..
> وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)..
> فلا عدم ــ إذن ــ إلا عدم الوعي بعدمية الدنيا تحت تأثير الشهوات..
> شهوات النفس… والمال… والسلطة..
> وفرعون لم (يدرك) هذه الحقيقة إلا حين (أدركه الغرق)..
> وسقط في الامتحان ذي الكلمتين..
> لعلهم يرجعون!!

صلاح الدين عووضة
صحيفة الإنتباهة

Exit mobile version