تمثل الشركات الحكومية وإيراداتها وخُضوعها لسُلطات المراجع العام مثار جدل لم ينقطع بين كل فينةٍ وأُخرى، خَاصّةً عقب عرض تقرير المُراجع العام، فيتعالى الجَدل وتُثار قضية الشركات الحكومية التي يقال إنّها عَصِيّة على المُراجعة، وتُحيط حساباتها بسياجٍ من السِّرية، للحد الذي يشكو المُراجع العام نفسه من صعوبة مراجعتها، رغم إعطاء القانون وزارة العدل والمراجع العام سُلطة مراجعة أي شركة حكومية، وحتى مُؤسّسات القطاع الخَاص التي تبلغ أسهم الحكومة فيها “20%”.
*تَدخلٌ عَدليٌّ
خلال الأعوام القليلة الماضية، أصدرت وزارة العدل فتوى بأحقية المراجع العام بمراجعة أي شركة مهما كان وضعها متى أراد ذلك، طالما كانت تنطبق عليها شُروط المُراجعة، وبرّرت الخطوة بإعمال القانون، ولكن رغم تَدخُّل وزارة العدل بثقلها القانوني حول الأمر لا تزال إشكالية الشركات الغائبة عن المراجعة مَاثلةً.
*جَدلٌ مُستمرٌ
وكشف تقريرٌ حديثٌ صدر عن المنظمة السودانية للشفافية مطلع الأسبوع الحالي، عن عدم تضمين 83% من الشركات الحكومية لإيراداتها في المُوازنة العَامّة، فيما بلغ عدد الشركات غير المُدرجة ضمن الشركات التي تمت مراجعتها من قبل المراجع العام “104” شركات حكومية حتى العام الماضي، وبسبب ذلك شهد البرلمان جدلاً كثيفاً حول هذه الشركات ولمن تتبع تحديداً، ومدى جدواها للبلاد، ومَرّ الأمر دُون نتيجةٍ واضحةٍ.
*عدم تضمين الإيرادات
ويُؤكِّد رئيس المنظمة السودانية للشفافية د. الطيب مختار، أنّ الحكومة مدعوة لسد ثغرات الفساد، والعمل بإرادة سياسية جادة ومُلتزمة بمكافحة الفساد لتحسين وضع السودان، قاطعاً بعدم إمكانية نجاح برامج التنمية ما لم يتم الحد من خطورة الفساد، وأكّد أنّ 85% من حالات الاعتداء على المال العام لم تُضبط، وكشف عن عدم تضمين 83% من الشركات الحكومية لإيراداتها في المُوازنة العامة، وحذّر مختار في بيانٍ صدر حديثاً عن المنظمة، من خطورة ما ورد في تقرير ديوان المراجعة القومي 2018م حول غياب سيادة حكم القانون، المُتمثلة في مخالفة الدستوريين للدستور، وضعف ومخالفة المؤسسات المعنية بالمال العام لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية، وضوابط ونظم المشتروات، وغياب أو ضعف أو تجاهل دور المُستشارين القانونيين في الوحدات.
*سابقة
حالما تأتي سيرة تمنع بعض الشركات عن المُراجعة، يذكر الجميع قضية وزارة العدل قبل نحو ثلاث سنوات مع عملاق صناعة السكر بالبلاد “شركة كنانة”، ووصل الأمر لحد إصدار وزير العدل الأسبق “محمد بشارة دوسة” توجيهات تُشدِّد على مُراجعة الشركة، وشدّد على أهمية تطبيق القانون، فخلص الأمر لخضوع الشركة للمراجعة، في إجراء هو الأول للشركة منذ “35” عاماً، ظلت فيها بعيدة عن سُلطات المراجع العام، وحينها قاد وزير الصناعة وفد المراجعة بنفسه، مُؤكِّداً بذلك سيادة حكم القانون وتنفيذه على جميع الشركات التي تمتلك الدولة فيها أكثر من “20%”.
*خُضُوعٌ للمُراجعة
وتقول المحاضرة بجامعة الجزيرة، الدكتورة إيناس إبراهيم، إنّ سيادة مناخ المراجعة وخضوع الشركات للإجراء يُعتبر مُؤشِّراً على مدى انتهاج الشفافية والمؤسسية في إدارة الشأن العام، وقالت لـ (الصيحة) إنّ مُراجعة أيِّ مُؤسّسة لحساباتها بواسطة المراجع العام، أمر روتيني وطبيعي لا يقلل منها، مُشيرةً إلى أنه أدعى لإكساب المؤسسة الثقة في نشاطها وحساباتها، مُعتبرةً أنّ من يرفض المُراجعة يعطي مُؤشِّراً على خللٍ ما في إدارته للمرفق المعني، ونوهت إلى أنّ القانون حدّد بوضوح اختصاصات المراجع العام، ودعت المُؤسّسات والشركات للخضوع للمراجعة، ومن شأن رفضها لهذا الإجراء أن تلقي بالشكوك حولها، وقالت إنه لا سبيل لتبديد هذه الشكوك سوى ترك الأمر للمراجعة ليقول القائم بها كلمته الفصل.
*مُعالجة الخلل
الثابت أنّ ثمة حاجة مُلحة أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، لإزاحة ستار السرية الذي تنتهجه عدد من المؤسسات المُمتنعة عن المُراجعة، وليس عَصِيّاً على كل مراقب أن يستنتج غير واحدةٍ من هذه المُؤسّسات التي ضربت حول نفسها طَوقاً مَتيناً ليس من اليسير عبوره ومعرفة ما تخبئه في أضابيرها، ولا كيف تتعامل، وما هي حساباتها، وبنود صرفها، والأهم من ذلك ما فائدتها الحقيقيّة، وأهداف إنشائها، والواقع يقول إنّ كل هذه الأسئلة يصعب الوصول لإجابات قاطعةٍ حاسمةٍ حولها بغير جهات الاختصاص وهو هنا “المُراجع العَام” لا غيره.
ويرى مُختصون وخبراء اقتصاد أنّ القضية تُعد خللاً يستدعي المعالجة الفورية، فعدد الشركات التي لم تُخضع للمراجعة ليس قليلاً، وهو ما يُعزِّز من فرضية أنّ من يرفض الخُضوع للمراجعة لديه ما يستدعي إخفاءه وإبقاءه بعيدًا عن أعين الرقابة الرسمية، رغماً عن سُلطات المراجع العام ووزارة العدل التي لا تستثنى شركةً أو مُؤسّسةً من المراجعة طالما كانت حكومية أو للحكومة أسهم فيها بمقدار “20%” فأكثر.
الخرطوم: جمعة عبد الله
صحيفة الصيحة.