تشهد احتجاجات السودان، المستمرة منذ 19 ديسمبر/كانون أول الماضي، انحسارا ملحوظا مقارنة ببداياتها، بحسب الحكومة ومراقبين، فيما ترى المعارضة أن أسبابها ما تزال قائمة.
الاحتجاجات بدأت بالمطالبة بتوفير الخبز والسيولة المالية والوقود، وتوسعت سريعا لتعم كافة أرجاء البلاد، وتبدأ بعضها بتبني مطالب سياسية بلغت حد الدعوة إلى رحيل نظام الرئيس عمر البشير، الذي يحكم منذ 29 عاما.
وشهدت بعض الاحتجاجات أعمال عنف، وسقط قتلى وجرحى بين المحتجين، رغم أن الحكومة تؤكد إنها استخدمت “أقل قوة” لتفريق التظاهرات غير القانونية، واتهمت جهات مجهولة في التورط ببعض الحالات بهدف تأجيج الأزمة.
وبمرور الأيام، أعلنت أحزاب سياسية وتنظيمات مهنية تأييدها للمحتجين، وطالبت البشير بالتنحي وتشكيل حكومة انتقالية، إلا أن الأخير سارع إلى الاجتماع بأنصاره في ولايات مختلفة، حيث اتهم أطرافًا معارضة بتسييس مطالب مُحقة والتعاون مع متمردين وأطراف خارجية لإسقاطه.
قيادة غير معروفة
ترى الحكومة أن الاحتجاجات تراجعت، وهو ما يؤكده متابعون للشأن السوداني، وأن ذلك عائد إلى رفض شرائح واسعة الانجرار وراء قيادة غير معروفة لديه، سيما “تجمع المهنيين السودانيين”.
ذلك الغموض الذي يلف “التجمع” تجد فيه الحكومة سببا كافيا لإحجام المواطنيين عن المشاركة، الذين لن يرهنوا مستقبل بلدهم بفئة مجهولة، وفقا لتصريحات مسؤولين.
ويشمل “تجمع المهنيين السودانيين” (غير حكومي) أطباء ومهندسين ومعلمين وصحافيين وصيادلة ومحامين وغيرهم، ويتبنى وينظم الاحتجاجات في مواعيد زمنية محددة .
لكن هذا التحالف، الذي يصف نفسه بالمهني المستقل، ليس له أي هيكل تنظيمي، وقد تكون في أكتوبر/ تشرين أول 2016 من اجتماع ثلاثة كتل رئيسية، هي لجنة أطباء السودان المركزية، وشبكة الصحافيين السودانيين، وتحالف المحامين الديمقراطيين.
وخلال ترؤسه اجتماعا للجنة العليا لمتابعة متطلبات الوفاق وتنفيذ نتائج الحوار الوطني، قبل أيام، قال البشير: “إن من يقودون الاحتجاجات غير معروفين، وليس لهم أجسام حقيقية يمكن الرجوع إليها”.
وأضاف أن “الحملة الإعلامية المساندة للاحتجاجات تم تمويلها بمبالغ مالية كبيرة من جهات معادية للسودان”.
لكن المتحدث باسم حزب البعث السوداني (يساري)، محمد وداعة، رأى أن “الحديث عن عدم وجود قيادة معروفة للاحتجاجات يفتقر إلى الحجة والمنطق، بدليل التنظيم الدقيق وتبلور مشروع سياسي للمرحلة القادمة، بمشاركة قوى سياسية معارضة تشمل تحالف نداء السودان والإجماع الوطني وأساتذة جامعات وبقية الفئات الأخرى”.
وأضاف “وداعة” أن “هذا يؤكد وجود نضج سياسي ستتضح معالمه في الأيام القادمة”، آخذا بالاعتبار استمرار التفاف مواطنين حول دعوات الاحتجاج بالحد الأدنى، وهو ما يبقى محل شك.
وفقا للقيادي في حزب الأمة القومي (معارض)، أيوب محمد عباس، فإن “الاحتجاجات عبارة عن ثورة شعبية مكتملة الأركان، وتوفرت ظروفها الذاتية والموضوعية”.
ورأى عباس، أن الاحتجاجات لم تنحسر وانما ” اتسعت رقعتها جهويا ومناطقيا وقطاعيا وجغرافيا، وهي في تطور مستمر وأخذت زخما إعلاميا وبعدا إقليميا ودوليا”.
الحوار يمتص الغضب
الحكومة وقيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم يقرون من ناحيتهم بأحقية المطالب التي يرفعها المحتجين في جوانبها الاقتصادية، وهو ما امتص غضب قطاعات واسعة.
إلا أنهم في المقابل يرفضون أي حديث عن مطالب سياسية، باعتبارها تقود البلد إلى الفوضى، لذلك يطرحون الحوار بديلا عن الاحتجاجات.
وحذر نائب رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم، محمد المصطفي الضو، في اجتماع حزبي الجمعة، من أن شعار: “تسقط بس”، الذي يرفعه المحتجون سيحول البلاد إلى وطن مدمر، يتحول مواطنوه إلى لاجئين، مثل دول كثيرة.
وشدد “الضو” على أن “حزبه لا يتهم الشباب المحتجين على الأوضاع الاقتصادية بالخيانة ولا يدمغهم (يتهمهم) بالعمالة”.
ودعا أعضاء حزبه إلى “الحوار مع الشباب؛ لأنهم رصيده السودان ومخزونه الاستراتيجي”.
ورأى أن “الشباب الذين يتظاهرون ويقودون الاحتجاجات ينتمون إلى جيل ولد وترعرع في ظل الحكومة الحالية، وعاشوا عهدا ممتلئا بالوفرة وخاليا من الأزمات الاقتصادية والسياسية”.
وزاد بقوله: “أيا يكن من يختاره الشعب سنسلمه قيادة البلاد، والاحتجاجات ليست وسيلة لإسقاط الحكم وتداوله في أي دولة من دول العالم”.
القدس العربي