أساطير سودانية عميد السلك الدبلوماسي السوداني

أبوبكر عثمان محمد صالح

يستحق وبجدارة العنوان المخصص لأمثاله أن يطلق عليه أسطورة من أساطيرنا التي تسعى بيننا. فهو أول سوداني يزاوج ما بين مهن ثلاث تشرئب إليها أفئدة الناشئة والخريجين في مقتبل حياتهم العملية.

فهو معلم للطلاب في منتصف سنوات العقد الخامس من سنوات ما قبل الاستقلال، في زمن كان فيه المعلمون هم أكثر فئات المجتمع شهرة وذيوع صيت وسط غيرهم من موظفي الدولة، كذلك عمل أبوبكر عثمان سفيراً بالخارجية، بل مستشاراً دبلوماسياً للشؤون الخارجية.

أما عمله كوزير، فقد كان ذا نكهة خاصة هي الأناقة الأدائية والحصافة الإدارية والريادة الثقافية في كل ما اتصل بعمله الوزاري من داخل أسرة كانت من أوائل الأسر السودانية التي اهتمت بالعلوم الحديثة.

وُلد العملاق وعميد السلك الدبلوماسي السوداني في العام 1930م بأم روابة التي كان والده أحد أشهر تجارها، بل أول سوداني يمتلك معاصر زيوت حديثة. كان ميلاده والذي فيما بعد ملأ حياتنا بذلاً للوطن وعملاً نافعاً لأمته في مجالات تتطلب صبراً وثقافة ودأباً على تطوير الذات، معلماً وسفيراً ووزيراً.

درس العملاق أبوبكر مراحل تعليمه بكل من الأبيض وحنتوب الثانوية التي ومن حظه العظيم كانت حين دخوله إليها تستقبل أول طلاب يدرسون بها وذلك في يوليو 1946م.

لأربع سنوات هي عمر دراسة المرحلة الثانوية، كان أبابكر أكثر الذين تميزاً خلقاً وأخلاقاً وتحصيلاً أكاديمياً جعله أشهر من الذين تميّزوا في مجالات منشطية أخرى من زملائه الطلاب. وهم جعفر نميري في كرة القدم، ومحمد إبراهيم نقد في المناظرات الأدبية، وإبراهيم منعم منصور في عبقريات اهتمامه بعلم الأرقام والمسائل الرياضية المعقدة. وخلف الله الرشيد في كتابة القصة والشعر مروراً بعبد البديع علي كرار ضابط الجيش الذي تم إعدامه في نوفمبر 1959م في الرياضة البدنية والسباحة.

تمكنت من أسطورتنا حالة القراءة المكثفة لكل المتعلق بالتاريخ والأدب، وذلك من خلال مكتبة المدرسة حتى أصبح مرجعاً في اللغة الإنجليزية وآدابها وأدبها، وهو بعد طالب بالثانوي لم يصل سن العشرين.

ما أن أعلن مًعلن نتائج امتحانات الشهادة الثانوية حتى تم الإعلان عن اسمه كأول طالب في تاريخ مدرسة حنتوب الثانوية في أول دفعة تلتحق بها كأول من أحرز الدرجة الكاملة في امتحان اللغة الإنجليزية.

بتاريخ 24 يونيو 1950م التحق الأسطورة بكلية غردون التذكارية التي كانت تعيش أيامها الأخيرة تحت المسمى الاستعماري بها بكلية الآداب.. وهو كذلك من ضمن أول دفعة تتخرج تحت مسمى كلية الخرطوم الجامعية..

في 11 يوليو 1954م، كان تخرجه من كلية الآداب آنذاك. ولقلة فرص العمل حينها كانت وظيفة معلم بالمرحلة الثانوية وظيفة في مصاف رفيعة الوظائف ومفاخرها.

بمدرسة خور طقت الثانوية وقريباً من دار والده بأم روابة كانت إقامته كمعلم للطلاب لمادة اللغة الإنجليزية والتي يقول أحد طلابه القانوني المعروف عبد الله مسعود إنه واحد من قلائل السودانيين الذين يجيدونها بل ويعلمون أسرارها.

لروح أسطورتنا الوثابة نحو كل مجد يرومه الفتى، تقدم للالتحاق بالسلك الدبلوماسي، وذلك حين أعلنت وزارة الخارجية الوليدة آنذاك التقديم لوظائفها، فكان يوم 11 مايو 1956م هو يوم تقديمه للوظيفة الدبلوماسية ليتم اختياره لها بتاريخ 19 يوليو 1956م بالقسم السياسي الذي كان يترأسه المرحوم أمير الصاوي، ومن ثم أصبح سكرتيراً ثالثاً بالخارجية.. ليصل من خلال صعوده سلالم العمل الدبلوماسي لسفير للبلاد بعدد من الدول أشهرها إيطاليا.

منذ تخرجه في كلية الآداب بكلية الخرطوم الجامعية في يوليو 1954م حتى تاريخ أبريل 1985م، وهي واحد وثلاثون عاماً ظل أبوبكر يقدم المفيد نفعاً لوطنه وخيراً للآخرين. فيكفي أن مواقع عمله بكل من مدرسة خور طقت الثانوية والخارجية السودانية ووزارة مجلس الوزراء وأمانة التكامل بين السودان ومصر، كانت كل هذه المواقع من مواقع العمل المثمر بفضل حنكة ودراية أسطورتنا بمعالم وطرق ودهاليز العمل الذي يتطلب صبراً ودأباً بل متابعة حتى يُكلل بالنجاح.. وهو ما نجح فيه بجدارة.

فداخل عمله كمعلم للغة الإنجليزية لعامين دراسيين، ظلت سيرته حتى الآن على ألسنة طلابه، أما عمله سفيراً بالخارجية فقد أضاف لها الثقافة والحصافة والأناقة والطرافة/ وفوق كل ذلك شخص تشرفت به الدبلوماسية السودانية حتى أضحى أحد أشهر الدبلوماسيين السودانيين ليأتي خط سير نجاحه في وزارة مجلس الوزراء التي عمل بها وزيراً، فكان أن شهدت على يديه تنظيماً لعمل الوزارات ومتابعة لصيقة لكل المتعلق بعمل الدولة.. وفي هذا يعتبر أسطورتنا بحق الأب المؤسس لهذه الوزارة.

حين اختياره أميناً عاماً للتكامل السوداني المصري، كانت منظومة العمل داخل أمانة التكامل بين البلدين قد شهدت أعلى مراحل توهجها بفضل سحر أدائه ودأبه على تطوير وإزهار حقول مزرعته العملية التي يديرها.

داخل كتاباته التي كتبها وأخيراً كتابه الذي احتفى به القراء (في بلاط الدبلوماسية السودانية) قدرة على تطويع القلم لجعله كاميرا سينمائية تتجول بالتباري ما بين أم روابة وحنتوب والخرطوم وروما والقاهرة. أستاذنا وأسطورتنا أبابكر أمدك الله بالصحة والعافية..

الصيحة.

Exit mobile version