فجوة الأجيال.. الحكومة تستشعر الخطر

مرة أخرى تتطل أزمة الفجوة بين الفئات العمرية الحاكمة في السودان وتلك التي تلهب ظهر شوارع الخرطوم بالاحتجاجات يومياً.. وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء معتز موسى الأسبوع الماضي، منوهاً إلى حرصهم على محاورة المحتجين، مستدركاً: وليس المسيسين، في خطوة جديدة لأرفع مسؤول حكومي إزاء فكرة الحوار مع الشباب.. الفجوة الجيلية بدا أن الحكومة تعتبرها كلمة السر في الأزمات التي تواجهها، وتسعى عبر كل مؤسساتها لإيجاد ردمها، فضلاً عن إيجاد لغة للتحاور والتفاهم مع جيل الاحتجاجات –كما تقول الحكومة-. مؤخراً دخلت القوات المسلحة على الخط واعتبرها وزير الدفاع محركاً أساسياً للاحتجاجات.

ماذا قال وزير الدفاع؟
وزير الدفاع عوض ابنعوف طرق على (فجوة الأجيال) باعتبارها تمثل محركاً أساسياً للاحتجاجات المندلعة منذ 19 ديسمبر الماضي، مشيراً في تنوير أمام ضباط شباب إلى أن الأحداث الأخيرة أظهرت الانفصام والفروق الواضحة بين الأجيال الشابة والكبار حتى داخل الأسر، مما يستوجب التواصل بين الأجيال ووضع المعالجات العادلة لمشكلات الشباب والوصول بهم للطموح المعقول، مبيناً أن الأحداث الأخيرة أظهرت ضرورة إعادة صياغة وتشكيل الكيانات السياسية والحزبية والحركات المسلحة لإعادة التوازن للمشهد السياسي بذهنية تختلف عما سبق، للوصول إلى حالة تضمن تحقيق الاستقرار في جميع أنحاء الوطن، وحماية المكتسبات والأعراض وحقن الدماء.

استعداد للحوار
المؤتمر الوطني أعلن عن “استعداده التام” لفتح حوار على مختلف الأصعدة والمستويات مع الشباب، وأكد رئيس القطاع السياسي عبد الرحمن الخضر أنهم يسعون لتعلية قيمة الحوار مع الشباب وقوى المجتمع المدني عبر وضع رؤية للحلول المستدامة لقضية إدارة البلاد باعتبار أن الإدارة المدنية جزء لا يتجزأ من المشكلات في الأحداث الأخيرة.
في المقابل أعلن تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود الاحتجاجات رفضه لأي حوار باستثناء تسليم السلطة.
قيادات الحزب الحاكم استشعرت خطورة الأمر منذ سنوات قبل اندلاع الاحتجاجات الحالية وتسعى الآن لإدارة حوار معه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ويقول نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية فيصل حسن إن الوطني يواجه تحديات في مجال استقطاب الشباب، وأضاف: في تصريحات سابقة أن اهتمامات هذا الجيل ليست كاهتماماتنا، وأضاف:” إذا ظللنا نعمل بالطريقة التقليدية سنفقد هذا الجيل وسيخرج منا الجيل الذي ولد في عهد الإنقاذ وربيناه وعلمناه وعلينا أن نبحث كيف يمكن أن نحافظ عليه”.
نبؤة فيصل تحققت الآن فالجيل الذي نشأ بين أيديهم خرج عليهم منادياً بإسقاط الحكومة دون أية رغبة في الحوار رافعاً شعار :”تسقط بس” الذي يعبر عن قطعية ولا ينظر إلى ما بعد السقوط معبراً عن جيل لم يرث سوى الفكر الإقصائي المُغلق، مما خلق عقولاً غير قابلة للمُساومات ولا ترضى بالتنازلات، فلن تصل إلا لمعادلات صفرية.
القيادي الشاب بالوطني محمد الواثق يرى أن الإنقاذ طوال مسيرتها لم تستوعب التحولات الاجتماعية والديموغرافية فركزت على قضايا السلام وغيرها ولم تلتفت كثيراً لقضايا الشباب مما جعل التيارات الشبابية تتبنى مذكرات إصلاحية ليس وسط الإسلاميين فحسب بل حتى في التيارات اليسارية.

أزمة حقيقية
الوطني يواجه أزمة حقيقية في استقطاب الشباب الذين يشكلون نحو 65% من نسبة السكان، ويظهر في حجم الكوادر المستقطبة مقابل المناوئة له، إلى جانب حركات الاحتجاج، بل إن حالة الرفض امتدت لتصل حتى بيوت القيادات الكبيرة من الحزب الحاكم ليجدوا أبناءهم من أبرز معارضيهم.
الناشط في قضايا الشباب عبد الله حلة يلفت إلى أن الحزب الحاكم اعتمد على حشد الشباب بخطاب ديني حماسي أغفل الجوانب الفكرية، ويرى حلة أن هذا الخطاب قد يكون نجح في حشد الكثير من الكوادر إلا أنه في المقابل فشل في الحفاظ على ولائهم لوقت طويل، ويشير حلة إلى أن معظم من التحقوا بالحزب تفاجأوا بضعف المشروع فكرياً فباتوا أمام ثلاثة خيارات أولها يتعلق بالتمتع بامتيازات السلطة وغض الطرف عن بقية الأمور، أما ثانيها هو الابتعاد عن المشروع والزهد فيه، أما الخيار الثالث فهو لمجموعة تسعى لحمل أحلامها ومشاريعها المعطلة في دولة إسلامية عادلة لتنظيمات أخرى قد تصل لتنظيم الدولة (داعش).
من جهة أخرى تسعى القيادات الشابة بالوطني لرسم صورة مغايرة، مؤكدة أن الوطني هو الرقم الأول في الأوساط الشبابية وأن الأمر قد يستدعي إجراء بعض التحديثات على وسائل الاستقطاب، ومشيرة إلى أن الوطني في أفضل حالاته بعضوية في الجامعات تتجاوز في الوقت الحالي 700 ألف فضلاً عن مساندة كبيرة. من الطلاب لخطابه، ويقر الوطني في ذات الوقت بأن وسائل الخطاب تحتاج بعض التعديل لتتواءم مع متطلبات العصر، مؤكداً أن الخطاب يلائم الجيل الجديد من الشباب وكذلك العمل التنظيمي الذي يقدم نموذجاً جيداً في الجامعات.
المحلل السياسي د. الحاج حمد محمد يرى أن الحركة الإسلامية فشلت في مرحلة الدولة فيما نجحت في مرحلة الثورة، ويضيف أن هؤلاء الشباب بحاجة لمهارات ووظائف ولكن الواقع الاقتصادي متردٍ بفعل السياسات، ولَك أن تعلم أن سياسات التعليم أفرزت خريجين بنحو 20 ضعف قدرة سوق العمل.
لم يقتصر الأمر على سوق العمل أو جودة التعليم بل امتد بشهادات قيادات في الدولة لسياسات تنتهك حرية وكرامة الشباب بدءاً من التسلط على مظهرهم خاصة بعد حملات حلاقة إجبارية من قبل (مجهولين) انتحلوا صفة القوات النظامية –حسب تصريحات رسمية-، فضلاً عن بيع الميادين في الأحياء وأخيراً إغلاق المقاهي الشعبية، فيما أسهم الانفتاح التكنولوجي في زيادة إحباط الشباب وهم ينظرون لما وصل إليه العالم من حولهم.

يتفق المهتم بمجال علم الاجتماع السياسي محمد المدني مع الرأي القائل بأن الشباب تمرد على كل النادي السياسي القديم. ويرى المدني أن وعي هذا الجيل تأسس على المعاناة وعدم رعاية الدولة لهم في المؤسسات التعليمية عبر الأنشطة التعليمية والثقافية المناسبة.
ويلفت عباس إلى أن هذا الجيل يتفاعل مع القضايا العالمية ويستفيد من التجارب الإنسانية في تطوير مهاراته ووسائل تواصله وعرض قضاياه وهمومه بعيداً عن الرقابة والوصاية وبات قادرًا على قدراته لخلق مبادراته الخاصة في العمل السياسي، والخيري، والتنموي، والثقافي، والتنموي، ويزيد عباس أن ذات الجيل فرض الآن على المجتمع اعتماد رموزه الفنية والثقافية والاجتماعية وهو ما يجعل من القريب جداً اعتماد رموزه السياسية.

فيما يقول المهتم بعلم النفس السياسي خالد خليل إن الجيل الحالي أسس لقيمه ومقارباته وتعاطيه مع الواقع على النقيض تماماً من تصورات الدولة التى لم يسعفها تعليمها ولا إعلامها ولا مؤسساتها في إعادة إنتاج هذا الجيل داخل الجلباب القيمي لمشروعها السياسي، ويضيف خليل: “بدا هذا واضحاً في اختيار قطاع واسع منهم للفنان محمود عبد العزيز كايقونة تعبر عن الخروج عن السرب فناً وسلوكاً ومظهراً”، ويشير خليل إلى أن هذا الجيل تقوم خصائصه النفسية على المغايرة والتمرد على الأُطر الجاهزة، وما يميز هذا التمرد أنه ليس نزوة عابرة تشي بهشاشة في النضج وإنما كفلسفة حياة جعلته على الضد من الانخراط في المؤسسات الحزبية ككل وليس الحزب الحاكم فقط.
ويرى خليل أن المؤسسات الحزبية بطبيعتها الجامدة وبأطرها المتكلسة وبيروقراطيتها المميتة لا يمكن أن تكون خياراً عقلانياً لجيل يقوم رهانه الأساسي على التحليق خارج هذا القفص الحديدي، وهو ما يضع كل المنظومة الحزبية في السودان في مأزق حقيقي حيال رفد هذه الأحزاب بكوادر تنعش العمل الحزبي وتخرجه من وضعية (المساطب الجانبية) في فضاء العمل العام التي تعج بالثرثرة والنستولوجيا.

فكرة الحوار
الحديث عن الحوار بين الأجيال أو مع المحتجين، لم يكن وليد حديث رئيس الوزراء فقط وسبق أن طرحه مدير جهاز الأمن الفريق أول صلاح قوش وكانت مبادرته إطلاق سراح (186) معتقلاً من الذين تم اعتقالهم في الاحتجاحات الأخيرة، وطبقاً لتقارير إعلامية فإن قوش أجرى حواراً مع الشباب المعتقلين قبيل إطلاق سراحهم بمقر اعتقالهم، توصلوا من خلاله لتفاهمات حول الاسباب التي دعت الشباب للتظاهر. وأفضى الاجتماع لتكوين لجنة من الشباب المعتقلين لبحث القضايا التي دعت للتظاهر والسعي لحلها عبر النقاش والحوار.
ويرى القيادي بالمؤتمر الوطني حسب الله صالح في حديثه لـ(السوداني) أن منهج الحوار منهج علمي يتم التوافق حوله من جميع أهل السودان منذ ثلاث سنوات، موضحاً أن الحوار الوطني السابق تمت فيه مناقشه كل قضايا البلاد والتوافق حولها وخلص إلى مخرجات، مشيراً إلى أن البلاد تتعرض لأزمات وحصار اقتصادي منذ 21 عاماً، الأمر الذي نتجت عنه احتجاجات، مضيفاً أنها بدأت مطلبية تتعلق بالوضع الاقتصادي ولذلك الحكومة تبذل الجهود لإرساء قيم الحوار مع كافة أهل السودان والمنظمات والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار.
وأكد صالح أن نهج الحوار متجذر وأفضى إلى نتائج مرتبة، قاطعاً بمواصلة الحكومة فيه للوصول إلى حلول مرضية للشباب، وأضاف: الحكومة تعمل في ظروف معقدة من خلال الحصار والوضع الاقتصادي، مؤكداً أن أي خطوط تلاقي بين كل الجهات تفضي لوضع أفضل للبلاد، بالتالي فإن الخط موحد في الدعوة للحوار (الحوار بس).
وشدد صالح على أن الحوار يستطيع حل كافة الأزمات (ما طق حنك)، منوهاً إلى ان كل القضايا الاقتصادية تمضي في ترتيب للمعالجة، مشيراً الى أن تعدد المطالب للحوار تؤكد وحدة الخط السياسي و انسجام قيادات البلاد، نافياً أن تكون دعوة قوش تتضارب مع مبادرة معتز، موضحاً أن الأمر لن يحدث تضارب بل يؤكد أن الرؤية واضحة والتنسيق عالي المستوى.

صحيفة السوداني

Exit mobile version