أطفال المايقوما.. آلامٌ صامتةٌ

آلامٌ صامتةٌ، حركات بطيئة، صراخ دُون سماع أصوات، لذوي العامين وحتى الرابعة أو قُل الخامسة، هم أطفال، فقط لا حول لهم ولا قوة، يتلوون من شدة الوجع، يضرب بعضهم رأسه بجنبات الأسِرّة الخاصة بهم في مساحة لا تتعدى متراً ونصف المتر، يقبع بها طفل يمسك بيديه رأسه مشعراً من حوله بما يُعانيه من ألمٍ حادٍ، مناظر ينفطر لها القلب، وتقشعر منها الأبدان، ويذرف لها الدمع داخل دار رعاية الطفل اليتيم بـ(المايقوما).

كانت الدعوة إلى دار رعاية الطفل اليتيم بـ (المايقوما) من قبل قوات الدعم السريع وعددٍ من مراكز الأطفال الأيتام هي سبباً في مآسي ومُعاناة الأطفال فاقدي السند، بغرض تسيير قافلة “الدعم الإنساني لدور الأيتام”، والتي تحتوي على جميع احتياجات ومُستلزمات لكل الفئات العُمرية بالدور من مواد غذائية ومُستلزمات صحية وطبية وغيرها، كانت الدور مُنظّمة ومرتّبة ويعمها السكون رغم تواجد جميع فئات الأطفال في غرف مُخصّصة لكل فئةٍ عمريةٍ منهم، كان لسان حال كل منهم يشكو مُـرّ الشكية دُون أن يصغي إليه أحدٌ ليسمعه، كانت الحركة خافتة عدا حركة المُوظّفين والعاملين على خدمتهم، الذين انتشروا في كل الممرات وأماكن عملهم المُخصّص لكل منهم، كانت نظراتهم تتوق للحديث عن ما يدور بشأن أوضاع الأطفال وأوضاع كل من في الدور بما فيهم العاملين، غير أنّ صمتاً رهيباً كان حيال ذلك أثناء الزيارة.

مُجرّد صُدفة

رشحت قبيل أيام أنباء تُفيد أنّ دار المايقوما التي تأوي الأطفال فاقدي السند في السودان، تُعاني من نقص حليب الأطفال، وأن الكمية المُقدّمة إليهم لم تُعد تكفي حاجة الدار، خَاصّةً للأطفال الخُدج الذين يحصلون على حليب (سيملاك نيوشر)، وأن الجهات المُختصة وعدت برفع تقريرٍ لزيادة مبلغ شراء لبن وحليب الأطفال، ربما كانت الصدفة هي وحدها في أن تُبادر قوات الدعم السريع بتسيير قافلة الدعم الإنساني لدور الأطفال الأيتام، ولعلّ الناظر إلى الأمر، أنّ الأمرين مرتبطان ببعضهما، أي أنّ القافلة بما تحتويه من مواد غذائية وحليب وغيرها أتت في الوقت المُناسب، في المُقابل برّرت مديرة الدار نقص الحليب لأسبابٍ تتعلّق بالشركات، مُشيرةً الى توفر الحليب حالياً بالمخزن.

في مباني ومقار قوات الدعم السريع بالخرطوم”2″، انتشرت سيارات رباعية الدفع يفوق عددها الثماني، وأغلقت الطريق تماماً وهي مُحمّلة بالمستلزمات الصحية والطبية كَافّة، والمواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات التي تُعين أولئك الأطفال، كانت الغُرف المُخصّصة للأطفال تبدو مُهيأً من حيث التهوية والنظافة والتزوُّد بالأسِرّة المُخصّصة للأطفال، أطفال مختلفين عن بعضهم، السليم فيهم تحسبه مريضاً، والمريض بينهم حاله يُغني عن السؤال، يعتصرون الألم دون إصدار أي آهاتٍ تجبر المارّة من حولهم على الطبطبة، والمُواساة غير البكاء بحرقة، والتمتمة بعبارات وكلمات.. (ما ذنب هؤلاء)..؟!

أكثر من 17 طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصّة، والأمراض المُزمنة التي يصعب علاجها، هذا ما أفصحت عنه مدير إدارة دار المايقوما للأطفال الأيتام.

دورٌ اجتماعيٌّ

دار المايقوما هي إحدى الدور التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، بدأت منذ العام 1961، كانت تبعيتها لوزارة الصحة حتى العام 1994 ومن ثم تبعت بمُسمّياتها الى وزارة الرعاية الاجتماعية حتى وصلت وزارة التنمية الاجتماعية. دورٌ اجتماعيٌّ كبيرٌ تقوم به وزارة التنمية الاجتماعية في ولاية الخرطوم تجاه الأطفال الأيتام، والفئات المُستهدفة لفاقدي السند والأبوين، وابتدر الحديث مدير عام وزارة التنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم معتصم سيد هاشم، مُرحِّباً بقوات الدعم السريع، مشيراً الى حرصها على زيارة دور الإيواء بالولاية، للوقوف على العمل الاجتماعي الكبير الذي تقوم به الوزارة للفئات المُستهدفة لفاقدي الرعاية الأسرية والوالدية، وقال إنّ الوزارة تهتم بتوفير الحماية والرعاية اللازمة لفاقدي الرعاية الوالدية، مُبيِّناً أنّ الأصل في القضية كفالة الأطفال من خلال الأسر، وامتدح المدير زيارة قوات الدعم السريع لأطفال المايقوما، والدعم المُقدّم لهم من قبل قوات الدعم السريع.

وقالت مدير إدارة رعاية الطفل اليتيم بالمايقوما زينب جودة: هي إحدى الدور التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، وتُخصّص لها ميزانية بنسة 90% من الدولة، و10% يدفعها الخيِّرون. وقالت إنّ الدار تستقبل الطفل من عُمر ساعات وحتى سن 4 أعوام، وبعدها يذهب الى دار الأولاد، أو أسرة بديلة أو تتم كفالته كفالة دائمة، والكفالة تتم للأطفال الداخلين بالبلاغ 76 من القانون الجنائي، وفي حال تم العثور عليه في ركشة أو الشارع وليس لديه أهل، ونوّهت إلى أنه يوجد أطفال أمهاتهم معروفون، ليس لديهم آباء، وفي هذه الحالة يكون الطفل معلوماً ودخل ببلاغ 56 أو 144 إجراءات وهذا النوع غير مسموح له دفع الكفالة، إلا في حال تنازل الأم أو مرور عددٍ من السنوات، وبعدها يذهب بيت البنات أو الأولاد.

وكشفت عن وجود نحو 400 طفل بالدار، مُشيرةً الى حالتي دخول وخروج للأطفال، وأضافت: “الدار تستقبل حالات دخول طفلين أو أكثر خلال اليوم”، وأكدت وجود كفالة تصل حتى 40 طفلاً في الشهر لأسر دائمة.

دَعمٌ مُستمرٌ

التزامٌ واضحٌ قطعته قوات الدعم السريع بالاستمرار في تقديم الدعم وتوفير احتياجات ومُستلزمات الأطفال الأيتام في دار المايقوما، حيث تعهّد اللواء عصام الدين صالح فضيل قائد ثاني قوات الدعم السريع، بالاستمرار في تقديم الدعم، وأشار الى زيارة القوات لدار رعاية الطفل اليتيم بالمايقوما، وتسيير قافلة مُكوّنة بأكثر من 7 عربات مُحَمّلة بالمواد الغذائية وحليب الأم وكل مستلزمات الأطفال، وأعلن عن جاهزية قوات الدعم السريع لتقديم الدعم للأطفال باستمرار، ومضى قائلاً: “قُمنا بتقديم قوافل لمدينة كسلا ومُتضرِّري السيول في غرب كردفان ودعم المدارس، وهذا جانب غير قتالي لقوات الدعم السريع”، وأعلن فضيل بعلاج بعض حالات العاهات المُستديمة في الدور حسب التكلفة العلاجية المُقدّرة، بجانب تكفل الحالات المُستعصية في الدور، وتقديم حضانة مُكتملة للأطفال حديثي الولادة بالمركز، والالتزام التام بصيانة المبنى القديم العتيق، وأضاف: نستهدف كل مراكز الأيتام بالعاصمة تحت شعار (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، بجانب تمليك عربة خاصّة بأطفال الدار.

مُبادرةٌ كريمةٌ

واعتبر مدير التوجية المعنوي بقوات الدعم السريع مرتضى عثمان أبو القاسم، تسيير قافلة (الدعم الإنساني لدور الأطفال الأيتام) مُبادرة كريمة من القائد الفريق محمد حمدان دقلو تجاه ثلاثة أدوار (رعاية أطفال المايقوما، دار رعاية الطفل السجانة ودار رعاية مستقبل الفتيات)، مشيراً الى أن العمل كتوجيه ورحمة وعطف إنساني من قيادة قوات الدعم السريع لهذه الفئات، وأوضح أنّ القافلة تحتوي على الاحتياجات اليومية للفئات الثلاث، الأولى فئة أطفال المايقوما للأطفال أقل من 5 أعوام، وتم توفير العديد من الاحتياجات اليومية التي تخص الأطفال من حليب واحتياجات طبية ومُستلزمات طبية، وتحتوي على 13 صنفاً للفئة الأولى.

وهنالك احتياجات خاصة بفئة شباب السجانة الأطفال من عمر 5 أعوام وحتى 23، تم توفير مواد غذائية ومواد نظافة، ومُستلزمات صحية بجانب ألعاب ومراجيح ومُستلزمات شخصية، كما أشار الى أن جزءاً من القافلة مُخَصّصٌ لفتيات المُستقبل بالسجانة يحتوي على احتياجات الفتيات الخاصة، مواد غذائية ومُستلزمات طبية، وقالت انه سيتم رفع تقرير طبي لبعض الحالات المُستعصية للأطفال حتى تتم تكلفة علاجها من قبل قوات الدعم السريع والخيِّرين.

مطالب مشروعة

اصطف عددٌ مُقدّرٌ من العاملات في دار المايقوما، مُعلنات عن عدم رضائهن لما يتقاضينه من مبالغ مالية مقابل خدمتهن للأطفال، وقلن بصوت مرتفع إنّ الراتب لا يفوق الـ700 جنيه في الشهر، وطالبن بلهجةٍ شديدةٍ بأن يُنظر في أمرهن، ووعد ممثل قوات الدعم السريع بتنفيذ مطالبهن، ما دفعهن بإطلاق زغاريد فرحاً بما وعد.

الخرطوم: أم سلمة العشا
صحيفة الصيحة.

Exit mobile version